فصل: 821- باب مَا جَاءَ في أَكْلِ الرّبَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


820- باب مَا جَاءَ في اللّعَان

‏(‏باب ما جاء في اللعان‏)‏ هو مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول‏:‏ لعنة الله عليه إن كان من المكاذبين‏.‏ واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدأ به في الاَية، وهو أيضاً يبدأ به، وله أن يرجع عنه فيسقط عن المرأة بغير عكس‏.‏ وقيل سمي لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها لأن الرجل إذا كان كاذباً لم يصل ذنبه إلى أكثر من القذف وإن كانت هي كاذبة فذنبها أعظم لما فيه من تلويث الفراش، والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به، فتنتشر المحرمية وتثبت الولاية والميراث لمن لا يستحقهما‏.‏ قاله الحافظ في الفتح‏.‏ وقال ابن الهمام في شرح الهداية‏:‏ اللعان مصدر لاعن واللعن في اللغة الطرد والإبعاد وفي الفقه اسم لما يجري بين الزوجين من الشهادات بالألفاظ المعلومات، وشرطه قيام النكاح وسببه قذف زوجته بما يوجب الحد في الأجنبية، وحكمه حرمتها بعد التلاعن، وأهله من كان أهلاً للشهادة‏.‏ فإن اللعان شهادات مؤكدات بالإيمان عندنا‏.‏ وأما عند الشافعي فإيمان مؤكدات بالشهادات، وهو الظاهر من قول مالك وأحمد‏.‏ انتهى كلام ابن الهمام مختصراً

1199- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدّثَنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمانَ، عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أبي سُلَيمانَ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قالَ‏:‏ سُئِلْتُ عنِ الْمُتلاَعِنَيْنِ في إمَارَةِ مُصْعَبِ بنِ الزّبَيْرِ، أَيُفَرّقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ فَما دَرَيْتُ مَا أقُولُ‏.‏ فَقُمْتُ مَكَانِي إلَى مَنْزِلِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ‏.‏ اسْتأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لِي‏:‏ إنّهُ قائِلٌ‏.‏ فَسَمِعَ كَلاَمِي فقَالَ‏:‏ ابنُ جُبَيْرٍ أدْخُلْ، مَا أَجَاءَ بك إلاّ حَاجَةٌ‏.‏

قالَ‏:‏ فَدَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْدَعَةَ رَحْلٍ لَهُ‏.‏ فَقلت‏:‏ يَا أبَا عَبْدِ الرّحْمنِ الْمُتَلاَعِنَانِ، أيُفَرّقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ فقَالَ سُبْحَانَ الله نَعَمْ‏.‏ إنّ أوّلَ مَنْ سَأَلَ عنْ ذَلِكَ فُلاَن بنُ فُلاَنٍ‏.‏ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ‏:‏ يَا رسولَ الله لَوْ أنّ أحَدَنَا رَأَى امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيفَ يَصْنَعُ‏؟‏ إنْ تَكَلّمَ، تَكَلّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ‏.‏ وإنْ سَكَتَ، سَكَتَ عَلَى أمْرٍ عَظِيمِ‏.‏ قالَ فَسَكَتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَم يُجِبْهُ‏.‏

فَلمّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ‏:‏ إنّ الّذِي سَأَلتُكَ عَنْهُ قَدِ ابتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ الله هذه الاَيَاتِ الّتِي في سُورَةِ النّورِ ‏{‏والّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ‏}‏ حَتّى ختمَ الاَياتِ‏.‏ فَدَعَا الرّجُلَ فَتَلاَ الاَيات عَلَيْهِ‏.‏ وَوَعَظَهُ وَذَكّرهُ وأخْبَرَهُ أنّ عَذَابَ الدّنْيَا أهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الاَخِرَةِ‏.‏ فقَالَ‏:‏ لاَ، والّذِي بَعَثَكَ بِالحقّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا‏.‏ ثم ثَنّى بِالْمَرْأَةِ فَوَعَظَهَا وذَكّرَهَا‏.‏ وأخْبَرَهَا أنّ عَذَابَ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الاَخِرَةِ، فقَالَتْ‏:‏ لاَ، والّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقّ ما صَدَقَ‏.‏ قالَ، فَبَدَأَ بِالرّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِالله إنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ‏.‏ والْخَامِسَةَ أنّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الْكَاذِبينَ‏.‏ ثمّ ثَنّى بِالْمَرْأَةِ فَشَهدَتْ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إنّهُ لَمِنَ الكَاذِبينَ‏.‏ والْخَامِسَةَ أنّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إنْ كانَ مِنَ الصادِقِينَ‏.‏ ثمّ فَرّقَ بَيْنَهُمَا قال وفي البابِ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، وابنِ عَبّاسٍ، وابنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيث ابنِ عُمرَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والْعَملُ عَلَى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

1200- حدثنا الأَنْصَارِيّ أنبأنا مَعْنٌ‏.‏ أنبأنا مَالِكٌ عنْ سَعْدِ بنِ إسْحَاقَ بنِ كَعْبٍ بنِ عُجْرَةَ، عنْ عَمّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ أنّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالكِ بنِ سِنَانٍ، وَهِيَ أُخْتُ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ، أخْبَرَتْهَا أنّهَا جَاءَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أهْلِهَا في بَنِي خُدْرَةَ‏.‏ وأَنّ زَوْجَهَا خَرَجَ في طَلَبِ أعْبدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتّى إذَا كانَ بِطَرَفِ الْقدُومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ‏.‏ قَالتْ‏:‏ فَسَأَلتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أرْجعَ إِلَى أهْلِي‏.‏ فَإِنّ زَوْجِي لَمْ يَتْركْ لِي مَسْكَناً يَمْلِكُهُ، وَلاَ نَفَقة‏.‏ قَالتْ‏:‏ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نَعَمْ‏"‏‏.‏ قَالتْ‏:‏ فانْصَرَفْتُ، حَتّى إِذَا كُنْتُ في الْحُجْرَةِ ‏(‏أوْ في الْمَسْجِدِ‏)‏ نَادَانِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏أوْ أمَرَ بِي فَنُودِيتُ لَهُ‏)‏ فقَالَ ‏"‏كيفَ قُلْتِ‏"‏‏؟‏ قَالتْ‏:‏ فرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصّةَ الْتِي ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي‏.‏ قالَ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أجَلَهُ‏.‏ قَالتْ‏:‏ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً‏.‏ قَالتْ‏:‏ فَلمّا كانَ عُثمَانُ، أرْسَلَ إِلَيّ فَسَأَلَنِي عنْ ذلِكَ فَأخْبَرْتُهُ‏.‏ فَاتّبَعَهُ وَقَضَى بِه‏.‏

أبواب البيوع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم

1201- حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ‏.‏ أنبأنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ مُجَالِدٍ، عنِ الشّعْبيّ، عنِ النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏الْحَلاَلُ بَيّنٌ وَالْحَرَامُ بَيّنٌ‏.‏ وبَيْنَ ذلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ‏.‏ لاَ يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ أمِنَ الْحَلاَلِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ‏.‏ فمَنْ تَرَكَهَا‏.‏ اسْتِبْرَاءً لِدِيِنِهِ وعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ‏.‏ ومَنْ وَاقَعَ شَيْئاً مِنْهَا، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ‏.‏ كمَا أَنّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ‏.‏ أَلاَ وَإِنّ لِكُلّ مَلِكٍ حِمى‏.‏ ألاَ وَإنّ حِمَى الله مَحَارِمُهُ‏"‏‏.‏

حدثنا هِنّادٌ‏.‏ حدّثنَا وَكِيعٌ عنْ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ، عنِ الشّعْبيّ، عنِ النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ بِمعْنَاهُ‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِد عن الشّعْبيّ، عنِ النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الشعبي‏)‏ بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وبموحدة هو عامر بن شراحيل الفقيه المشهور قال مكحول‏:‏ ما رأيت أفقه منه ثقة فاضل توفي سنة 103 ثلاث ومائة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏الحلال بين‏)‏ بتشديد الياء المكسورة أي واضح لا يخفي حله بأن ورد نص على حله أو مهد أصل يمكن استخراج الجزئيات منه كقوله تعالى ‏(‏خلق لكم ما في الأرض جميعاً‏)‏ فإن اللام للنفع فعلم أن الأصل في الأشياء الحل إلا أن يكون فيه مضرة ‏(‏والحرام بين‏)‏ أي ظاهر لا تخفى حرمته بأن ورد نص على حرمته كالفواحش والمحارم والميتة والدم ونحوها أو مهد ما يستخرج منه نحو كل مسكر حرام ‏(‏وبين ذلك‏)‏ المذكور من الحلام والحرام وفي رواية الصحيحين وبينهما ‏(‏مشتبهات‏)‏ بكسر الموحدة أي أمور ملتبسة غير مبينة لكونها ذات جهة إلى كل من الحلال والحرام ‏(‏لا يدري كثير من الناس‏)‏ قال الحافظ‏:‏ مفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن، لكن للقليل من الناس وهن المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم‏.‏ وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين ‏(‏فمن تركها‏)‏ أي المشتبهات ‏(‏استبراء‏)‏ استفعال من البراءة أي طلباً للبراءة ‏(‏لدينه‏)‏ من الذم الشرعي ‏(‏وعرضه‏)‏ من كلام الطاعن ‏(‏فقد سلم‏)‏ من الذم الشرعي والطعن ‏(‏ومن واقع شيئاً منها‏)‏ أي من وقع في شيء من المشتبهات ‏(‏يوشك أن يواقع الحرام‏)‏ أي أن يقع فيه ‏(‏كما أنه من يرعى حول الحمى‏)‏ بكسر المهملة وفتح ميم مخففة، وهو المرعي الذي يحميه السلطان من أن يرتع منه غير رعاة دوابه‏.‏ وهذا المنع غير جائز إلا للنبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا الله ورسوله ‏(‏يوشك أن يواقعه‏)‏ أي يقرب أن يقع في الحمى قال الحافظ في اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهي أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له ولو اشتد حذره‏.‏ وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقاً وحماه محارمه ‏(‏ألا‏)‏ مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقق ما بعدها ‏(‏وإن لكل ملك حمى‏)‏ أي على ما كان عليه الجاهلية أو إخبار عما يكون عليه ظلمة الإسلامية‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ الأظهر أن الواو هي الابتدائية التي تسمى النحاة الاستينافية الدالة على انقطاع ما بعدها عما قبلها في الجمل كما ذكره صاحب المعنى ‏(‏ألا وإن حمى الله محارمه‏)‏ وهي أنواع المعاصي فمن دخله بارتكاب شيء منها استحق التقوية عليه‏.‏ زاد في رواية الصحيحين‏:‏ ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

821- باب مَا جَاءَ في أَكْلِ الرّبَا

1202- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، قالَ‏:‏ لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكاتِبَهُ‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عُمرَ وَعَلِي وجَابِرٍ وأبي جحيفة‏.‏

حدِيثُ عَبْدِ الله حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا‏)‏ أي أخذه وإن لم يأكل وإنما خص بالأكل لأنه أعظم أنواع الانتفاع كما قال تعالى ‏(‏إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً‏)‏‏.‏ ‏(‏ومؤكله‏)‏ بهمز ويبدل أي معطيه لمن يأخذه وإن لم يأكل منه نظراً إلى أن الأكل هو الأغلب أو الأعظم كما تقدم ‏(‏وشاهديه وكاتبه‏)‏ وروى مسلم هذا الحديث عن جابر وزادهم سواء قال النووي هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما وفيه تحريم الإعانة على الباطل انتهى‏.‏ وفي رواية النسائي عن ابن مسعود‏:‏ آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه اذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب من عمر‏)‏ أخرجه ابن ماجه والدارمي ‏(‏وعلي‏)‏ بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه النسائي ‏(‏وجابر رضي الله عنه‏)‏ أخرجه مسلم‏.‏ وفي الباب أيضاً عن أبي جحيفة أخرجه البخاري ومسلم مرفوعاً‏:‏ بلفظ حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله إلخ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث عبد الله حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وصححاه‏.‏

822- باب مَا جَاءَ في التّغْلِيظِ في الْكَذِبِ وَالزّورِ وَنحْوِه

1203- حدثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصّنْعَانِيّ‏.‏ حدّثنَا خَالِدُ بنُ الْحَارِثِ، عنْ شُعْبَةَ‏.‏ حدّثنَا عُبَيْدُ الله بنُ أبي بَكْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ أنَسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏(‏في الْكبَائِرِ‏)‏ قالَ‏:‏ ‏"‏الشّرْكُ بِالله وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النّفْسِ، وَقَوْلُ الزّورِ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أبي بَكْرَةَ وَأَيمَنَ بنِ خُرَيْمٍ وابنِ عُمرَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أنَسٍ، حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ غرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال ‏(‏وعقوق الوالدين‏)‏ أي قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع، والمراد عقوق أحدهما قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة، وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم يكن معصية‏.‏ وفي معناهما الأجداد والجدات ‏(‏وقتل النفس‏)‏ أي بغير حق ‏(‏وقول الزور‏)‏ أي الكذب وسمي زوراً لميلانه عن جهة الحق‏.‏ ووقع في رواية للبخاري‏:‏ وشهادة الزور مكان وقول الزور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكرة‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وأيمن بن خريم‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة مصغراً ابن الأخرم الأسدي أبي عطية الشامي الشاعر مختلف في صحبته‏.‏ وقال العجلي تابعي ثقة وأخرج حديثه أحمد والترمذي‏.‏ وأخرج أبو داود وابن ماجه عن خريم بن فاتك مرفوعاً عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات ثم قرأ ‏(‏فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي عن أيمن بن خريم إلا أن ابن ماجه لم يذكر القراءة ‏(‏وابن عمر رضي الله عنه‏)‏ أخرجه ابن ماجه مرفوعاً بلفظ‏:‏ لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له بالنار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

823- باب مَا جَاءَ في التّجّارِ وَتَسْمِيَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِيّاهُم

1204- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدّثنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيّاشٍ، عنْ عَاصِمٍ، عنْ أبي وَائِلٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرَزَةَ، قالَ‏:‏ خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنحْنُ نُسَمى السّمَاسِرَةَ‏.‏ فقَالَ ‏"‏يَا مَعْشَر التّجّارِ إنّ الشّيطَانَ والإثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ‏.‏ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بالصّدَقَةِ‏"‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنِ الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍرج ورِفَاعَةَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ قَيْسِ بنِ أبي غَرَزَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ رَوَاهُ مَنْصُورٌ والأعْمَشُ وحَبِيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ وغَيْرُ وَاحِدٍ عنْ أبي وَائِلٍ، عنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرَزَةَ‏.‏ ولاَ نَعْرِفُ لِقَيْسٍ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذَا‏.‏

1205- حدثنا هَنّاد‏.‏ حَدّثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عنِ الأَعمَشِ، عن شقِيقِ بنِ سَلَمةَ، و ‏(‏شقيق هو أبو وائل‏)‏ عنْ قَيْسِ بنِ أبي غَرزَةَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وفي الباب عن البراء بن عازب ورفاعة‏.‏

قال أبو عيسى وهذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

1206- حدثنا هَنّادٌ‏:‏ حَدّثنَا قَبيصَةُ حدثنا عنْ سُفْيَانَ، عنْ أبي حَمْزَةَ، عنِ الْحَسَنِ، عنْ أبي سَعِيدٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏التّاجِرُ الصّدُوقُ الأمِينُ، مَعَ النّبِيّينَ والصّدّيِقينَ والشّهَداءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حدِيثِ الثّوْرِيّ عنْ أبي حَمْزَةَ‏.‏ وأبُو حَمْزَةَ‏:‏ اسمه عَبْدُ الله بنُ جَابِرٍ‏.‏ وهُوَ شَيْخٌ بَصْرِيّ حدثنا سويد بم نصر اخبرنا عبدالله بن المبارك عن سفيان الثوري عن ابي حمزة بهذا الاسناد نحوه‏.‏

1207- حدثنا أبو سلمة يَحْيَى بنُ خَلَفٍ‏.‏ حدّثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُثمانَ بنِ خُثَيمٍ، عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ، عنْ أبِيهِ عنْ جَدّهِ أنّهُ خَرَجَ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلَى المُصَلّى‏.‏ فَرَأى النّاسَ يَتَبَايَعُونَ فقَالَ ‏"‏يَا مَعْشَرَ التّجّارِ‏"‏ فَاسْتَجَابُوا لِرَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ورَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ‏.‏ فقَالَ ‏"‏إنّ التّجّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجّاراً‏.‏ إلاّ مَنِ اتّقَى الله وَبَرّ وصَدَقَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ويُقَالُ‏:‏ إسماعِيلُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ رِفَاعَةَ أيْضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن قيس بن أبي غرزة‏)‏ بمعجمة وراء وزاي مفتوحات الغفاري صحابي نزل الكوفة ‏(‏نحن نسمى‏)‏ بصيغة المجهول أي ندعى ‏(‏السماسرة‏)‏ بالنصب على أنه مفعول ثان وهو بفتح السين الأولى وكسر الثانية جمع السمسار قال في النهاية‏:‏ السمسار القيم بالأمر الحافظ وهو اسم للذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطاً لإمضاء البيع والسمسرة البيع والشراء انتهى‏.‏ ‏(‏فقال يا معشر التجار‏)‏ ولفظ أبي داود‏:‏ هكذا كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة فمر بنا النبي صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال‏:‏ يا معشر التجار الخ‏.‏ قال الخطابي‏:‏ السمسار أعجمي وكان كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجماً فتلقوا هذا الإسم عنهم فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية وذلك معنى قوله فسمانا باسم هو أحسن منه انتهى‏.‏ ‏(‏إن الشيطان والإثم يحضران البيع‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ إن البيع يحضره اللغو والحلف‏.‏ ‏(‏فشوبوا‏)‏ أمر من الشوب بمعنى الخلط أي اخلطوا ‏(‏بيعكم بالصدقة‏)‏ فإنها تطفئ غضب الرب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن البراء بن عازب‏)‏ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ‏(‏ورفاعة‏)‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث قيس بن أبي غرزة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا‏)‏ قال المنذري وقد روى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن التجار هم الفجار إلا من بر وصدق‏"‏‏.‏ قال فمنهم من يجعلهما حديثين انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حمزة‏)‏ اسمه عبد الله بن جابر ويقال له أبو حازم أيضاً مقبول من السادسة كذا في التقريب‏.‏ وقال في الخلاصة في ترجمته‏:‏ يروى عن أبي الشعساء ومجاهد وعنه الثوري وحكام بن سلم وثقه ابن حبان ‏(‏عن الحسن‏)‏ بن أبي الحسن البصري ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيراً ويدلس قاله البزار‏:‏ كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة هو رأس أهل الطبقة الثالثة مات سنة عشرة ومائة وقارب التسعين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏التاجر الصدوق الأمين الخ‏)‏ أي من تحرى الصدق والأمانة كان في زمرة الأبراء من النبيين والصديقين ومن توخى خلافهما كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين قاله الطيبي‏.‏ وقال في اللمعات كلاهما من صيغ المبالغة تنبيه على رعاية الكمال في هذين الصفتين حتى ينال هذه الدرجة الرفيعة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏، وقال الحاكم من مراسيل الحسن قاله المناوي وفي الباب عن ابن عمر‏:‏ بلفظ التاجر الأمين الصدوق المسلم من الشهداء يوم القيامة‏.‏ أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح واعترض قاله المناوي‏.‏ وفي الباب أيضاً عن أنس بن مالك بلفظ‏:‏ التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة أخرجه الأصفهاني في ترغيبه‏.‏ وعن ابن عباس بلفظ‏:‏ التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة‏.‏ أخرجه ابن النجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسماعيل بن عبيد‏)‏ بالتصغير ويقال له إسماعيل بن عبيد الله أيضاً كما صرح به الترمذي ‏(‏بن رفاعة‏)‏ بكسر الراء ‏(‏عن أبيه‏)‏ عبيد ‏(‏عن جده‏)‏ رفاعة وهو رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان أبو معاذ المدني بدري جليل له أحاديث انفرد له البخاري ثلاثة أحاديث وعنه ابناء معاذ وعبيد مات في أول خلافة معاوية قوله‏:‏ ‏(‏إن التجار‏)‏ بضم الفوقية وتشديد الجيم جمع تاجر ‏(‏يبعثون يوم القيامة فجاراً‏)‏ جمع فاجر من الفجور ‏(‏إلا من اتقى الله‏)‏ بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة من غش وخيانة أي أحسن إلى الناس في تجارته أو قام بطاعة الله وعبادته ‏(‏وصدق‏)‏ أي في يمينه وسائر كلامه‏.‏ قال القاضي‏:‏ لما كان من ديدن التجار التدليس في المعاملات والتهالك على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم من اتقى المحارم وبر في يمينه وصدق في حديثه‏.‏ وإلى هذا ذهب الشارحون وحملوا الفجور على اللغو والحلف كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والدارمي‏.‏

824- باب مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ كاذِبا

1208- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ‏.‏ حدّثنَا أبُو دَاوُدَ‏:‏ قال أنبأنا شُعْبَةُ قالَ‏:‏ أخْبَرَني عَلِيّ بنُ مُدْرِكٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرو بنِ جَرِيرٍ، يُحَدّثُ عنْ خَرَشَةَ بنِ الْحُرّ، عنْ أَبي ذَر، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ الله إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏.‏ قلنا‏:‏ مَنْ هُمْ يَا رَسولَ الله‏؟‏ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا‏.‏ فقالَ‏:‏ الْمَنّانُ، والْمسبِلُ إزَارَهُ، والْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكاذِبِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وأبي هُرَيْرَةَ وأبي أمَامَةَ بنِ ثَعْلَبَةَ وعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ ومَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبي ذَر، حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني علي بن مدرك‏)‏ بضم الميم وسكون الدال وكسر الراء فاعل من الإدراك ثقة ‏(‏عن خرشة‏)‏ بفتحات والشين المعجمة ‏(‏بن الحر‏)‏ بضم المهملة الفزاري كان يتيماً في حجر عمر قال أبو داود‏:‏ له صحبة‏.‏ وقال العجلي‏:‏ ثقة من كبار التابعين‏.‏ فيكون من الثانية كذا في التقريب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا ينظر الله إليهم‏)‏ أي نظر رحمة ‏(‏ولا يزكيهم‏)‏ أي لا يطهرهم من الذنوب ‏(‏فقد خابوا‏)‏ أي حرموا من الخير ‏(‏المنان‏)‏ وفي رواية والمنان الذي لا يعطى شيئاً إلا منة بفتح الميم وتشديد النون أي إلا من به على من أعطاه ‏(‏والمسبل إزاره‏)‏ أي عن كعبيه كبراً واختيالاً ‏(‏والمنفق‏)‏ بالتشديد والتخفيف أي المروج ‏(‏بالحلف‏)‏ بكسر اللام وبسكونها قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود‏)‏ أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرطهما كذا في الترغيب ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وأبي أمامة بن ثعلبة‏)‏ أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه ‏(‏وعمران بن حصين‏)‏، أخرجه أبو داود ‏(‏ومعقل بن يسار‏)‏ أخرجه أحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي ذر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

825- باب مَا جَاءَ في التّبْكِيرِ بِالتّجَارَة

‏(‏باب ما جاء في التبكير بالتجارة‏)‏ التبكير من البكور قال في الصراح ‏"‏بكور بكاه برخاستن وبامداد كردن وبإمداء رفتن يقال بكرت وابكرت وبكرت وباكرت وابتكرت كله بمعنى انتهى

1209- حدثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ الدّوْرَقِيّ‏.‏ حَدّثنَا هُشَيْمٌ‏.‏ حَدّثَنا يَعْلَى بنُ عَطَاءٍ عنْ عُمَارَةَ بنِ جدِيدٍ، عنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيّ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏الّلهُمّ بَارِكْ لأمّتِي في بُكُورِهَا‏"‏‏.‏ قالَ‏:‏ وكانَ إذَا بَعَثَ سَرِيّةً أوْ جَيْشاً، بَعَثَهُمْ أوّلَ النّهَارِ‏.‏ وكانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً‏.‏ وكانَ إذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أوّلَ النّهَارِ، فَأَثْرَى وكَثُرَ مَالُهُ‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَنْ عَلِي وابنِ مَسْعُودٍ وبُرَيْدَةَ وأنَسٍ وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ وَجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ صَخْرٍ الْغَامِدِيّ حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَلاَ نَعْرِفُ لِصَخْر الْغَامِدِيّ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذا الْحَدِيثِ‏.‏ وقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ، عنْ شعْبَةَ، عنْ يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ، هذَا الْحَدِيثَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي‏)‏ بفتح مهملة وسكون واو وفتح راء وبقاف ثقة من العاشرة ‏(‏حدثنا هشيم‏)‏ هو هشيم بن بشير السلمي أبو معاوية قال يعقوب الدورقي‏:‏ كان عند هشيم عشرون ألف حديث‏.‏ وقال العجلي‏:‏ ثقة يدلس وقال ابن سعد‏:‏ ثقة حجة إذا قال أنبأنا ‏(‏عن عمارة‏)‏ بضم العين المهملة ‏(‏بن حديد‏)‏ بفتح الحاء المهملة وكسر الدال الأولى، وثقة ابن حبان وقال أبو حاتم مجهول‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏اللهم بارك لأمتي في بكورها‏)‏ أي أول نهارها‏.‏ والإضافة لأدنى مناسبة كذا في المرقاة ‏(‏قال وكان‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إذا بعث سرية أو جيشاً‏)‏ قال في النهاية‏:‏ السرية طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو جمعها السرايا انتهى‏.‏ ‏(‏فأثرى‏)‏ أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة‏.‏ وإجابة هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم كذا في اللمعات ‏(‏وكثر ماله‏)‏ عطف تفسير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وبريدة الخ‏)‏ قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة عمارة بن حديد بعد ذكر حديث الباب من طريقه ما لفظه‏:‏ وفي الباب عن أنس بإسناد تالف‏.‏ وعن بريدة من طريق أوس بن عبد الله وهو لين وعن ابن عباس من وجهين لم يصحا انتهى‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه بلفظ‏:‏ اللهم بارك لأمتي في بكورها‏.‏ وفي الباب عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخيمس‏.‏ أخرجه ابن ماجه‏.‏ وفي الباب عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كما ستقف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث صخر الغامدي حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه‏.‏ قال الذهبي في تذكرة الحفاظ بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ صخر لا يعرف إلا في هذا الواحد، ولا قيل إنه صحابي إلا به، ولا نقل ذلك إلا عمارة‏.‏ وعمارة مجهول كما قال الرازيان ولا يفرح بذكر ابن حبان له بين الثقات فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف، تفرد بهذا الحديث عنه يعلى بن عطاء‏.‏ قال ابن القطان‏:‏ أما قوله حسن فخطأ انتهى‏.‏ كلام الذهبي‏.‏ قلت الأمر كما قال الحافظ الذهبي، قال المنذري في الترغيب‏.‏ بعد ذكر هذا الحديث رووه كلهم عن عمارة بن حديد عن صخر، وعمارة بن حديد بجلى سئل عنه أبو حاتم الرازي‏.‏ فقال مجهول‏:‏ وسئل عنه أبو زرعة‏:‏ فقال لا يعرف‏.‏ وقال أبو عمر النمري‏:‏ صخر بن وداعة الغامدي- وغامد في الأزد- سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز روى عنه عمارة بن حديد وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى الطائفي، ولا أعرف لصخر غير حديث‏:‏ بورك لأمتي في بكورها‏.‏ وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه‏.‏ قال المنذري وهو كما قال أبو عمر‏:‏ قد رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن سلام والنواس بن سمعان وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله وبعض أسانيده جيد ونبيط بن شريط‏.‏ وزاد في حديثه‏:‏ يوم خميسها‏.‏ وبريدة وأوس بن عبد الله وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وفي كثير من أسانيدها مقال، وبعضها حسن وقد جمعتها في جزء وبسطت الكلام عليها‏.‏ وروى عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏باكروا للغدو في طلب الرزق فإن الغدو بركة ونجاح‏"‏‏.‏ رواه البزار والطبراني في الأوسط، وروي عن عثمان رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نوم الصبحة يمنع الرزق‏"‏‏.‏ رواه أحمد والبيهقي وغيرهما‏.‏ وأوردهما ابن عدي في الكامل وهو ظاهر النكارة‏.‏ وروي عن فاطمة بنت محمد ورضي الله عنها قالت‏:‏ مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبحة فحركني برجله ثم قال‏:‏ ‏"‏يا بنية قومي اشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‏"‏‏.‏ رواه البيهقي ورواه أيضاً عن علي قال‏:‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة بعد أن صلى الصبح وهي نائمة فذكره بمعناه‏.‏ وروى ابن ماجه من حديث علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النوم قبل طلوع الشمس انتهى ما في الترغيب‏.‏

826- باب مَا جَاءَ في الرّخْصَةِ في الشّرَاءِ إلَى أجَل

‏(‏باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل‏)‏ وبوب الإمام البخاري في صحيحه بلفظ‏:‏ باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة قال ابن بطال‏:‏ الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ لعل المصنف يعني البخاري تخيل أن أحداً يتخيل أنه صلى الله عليه وسلم لا يشتري بالنسيئة فأراد دفع ذلك التخيل انتهى

1210- حدثنا أَبُو حَفْص عمرُ بنُ عَلِي‏.‏ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ‏.‏ أخبرنا عُمَارَةُ بنُ أبي حَفْصَةَ‏.‏ أخبرنا عِكْرِمَةُ عنْ عَائِشَةَ، قالَتْ‏:‏ كانَ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثَوْبَيْنِ قِطْرِيّانِ غَلِيظَانِ‏.‏ فَكانَ إذَا قَعَدَ فَعَرِقَ، ثَقُلاَ عَلَيْهِ‏.‏ فَقَدِمَ بَزّ مِنَ الشّامِ لِفُلاَنٍ الْيَهُودِيّ‏.‏ فَقلت‏:‏ لَوْ بَعثْتَ إِلَيْهِ فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ‏.‏ فأَرْسَلَ إلَيْهِ فقَالَ‏:‏ قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ‏.‏ إنّمَا يُرِيدُ أنْ يذْهَبَ بِمَالِي، أوْ بِدَرَاهِمي‏.‏ فقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كَذَبَ‏.‏ قَدْ عَلِمَ أنّي مِنْ أتْقَاهُمْ لله وآدّاهُمْ لِلأمَانَةِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنِ ابنِ عبّاسٍ وأنَسٍ وأسْمَاءَ بنت يَزِيدَ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ عَائِشَةَ حدِيثٌ حسنٌ غريب صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ أيْضاً عنْ عُمَارَةَ بنِ أبي حَفْصَةَ‏.‏ قال وسَمِعتُ مُحَمّدَ بنَ فِرَاسٍ الْبَصْرِيّ يَقُولُ‏:‏ سمِعتُ أَبَا دَاوُدَ الطّيَالِسِي يَقُولُ‏:‏ سُئِلَ شُعْبَةُ يَوْماً عنْ هَذَا الْحَديِثِ فقَالَ‏:‏ لَسْتُ أُحَدّثُكُمْ حَتّى تَقُومُوا إِلَى حَرَمِيّ بنِ عُمَارَةَ، بن أبي حفصة فتُقَبّلُوا رَأْسَهُ‏.‏ قالَ‏:‏ وَحَرَمِيّ في الْقَوْمِ‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ أي اعجاباً بهذا الحديث‏.‏

1211- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حَدّثَنا ابنُ أبي عَدِي و عُثْمانُ بنُ أبي عُمَرَ عنْ هِشَامِ بنِ حَسّانَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏تُوُفّيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِعِشْرِينَ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أخَذَهُ لأهْلِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

1212- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حَدّثنَا ابنُ أبي عَدِي عنْ هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ، عنْ قَتَادَةَ، عنْ أَنَسٍ ح قالَ مُحَمّدُ بن هشام، وحدثنا معاذ بن هشام قال‏:‏ حَدّثَنَا أَبي عن قتَادَةَ عَن أَنَسٍ‏.‏ قالَ ‏"‏مَشَيْتُ إلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإهَالَةٍ سَنِخَةٍ‏.‏ وَلَقَدْ رُهِنَ لَهُ دِرعٌ عند يَهُودِي بِعِشْرينَ صَاعاً مِنْ طعَامٍ أَخَذَهُ لأهْلِهِ‏.‏ ولقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ‏:‏ مَا أَمْسَى في آلِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم صَاعُ تَمْر وَلاَ صَاعُ حَب‏.‏ وإنّ عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْع نِسْوَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثوبين قطريين‏)‏ كذا في بعض النسخ وفي بعضها‏:‏ ثوبان قطريان، وهو القياس‏.‏ قال في النهاية‏:‏ قطري بكسر القاف ضرب من البرود فيه حمرة وله أعلام وفيه بعض خشونة ‏(‏فقدم بز‏)‏ هو ضرب من الثياب ‏(‏إلى الميسرة‏)‏ أي مؤجلا إلى وقت اليسر ‏(‏قد علمت ما يريد‏)‏ ما استفهامية علق العلم أو موصولة، والعلم بمعنى العرفان ‏(‏وآداهم‏)‏ قال في المجمع بمد ألف أي أحسنهم وفاء انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه البخاري وغيره وأخرجه الترمذي أيضاً ‏(‏وأسماء ابنة يزيد‏)‏ لينظر من أخرج حديثها قوله‏:‏ ‏(‏حتى تقوموا إلى حرمي بن عمارة‏)‏ بن أبي حفصة وحرمي بفتح الحاء والراء المهملتين وبشدة التحتانية، وإنما قال شعبة للقوم لتقببل رأسه لإعزازه وإكرامه لأنه هو ابن عمارة بن أبي حفصة الذي روى شعبة هذا الحديث عنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ودرعه مرهونة‏)‏ الواو للحال قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وقال صاحب الاقتراح‏:‏ هو على شرط البخاري كذا في النيل‏.‏

‏(‏قال محمد‏)‏ هو ابن بشار ‏(‏مشيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقع لأحمد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس‏:‏ لقد وعى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على خبز شعير وإهالة سنخة فكأن اليهودي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على لسان أنس فلهذا قال‏:‏ مشيت إليه بخلاف ما يقتضيه ظاهره أنه أحضر ذلك إليه انتهى‏.‏ ‏(‏فإهالة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الإهالة الشحم أو ما أذيب منه أو الزيت وكل ما أئتدم به ‏(‏سنخة‏)‏ بفتح السين المهملة وكسر النون، المتغيرة الريح ‏(‏مع يهودي وفي بعض النسخ عند يهودي، قال العلماء‏:‏ والحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم، أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمناً أو عوضاً، والله تعالى أعلم ‏(‏بعشرين صاعاً‏)‏ وفي رواية للشيخين‏:‏ بثلاثين صاعاً من شعير‏.‏ ولعله رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة‏.‏ فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولاً، وتارة على ما كان عليه آخراً‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألقى الجبر أخرى انتهى‏.‏ ‏(‏ولقد سمعته ذات يوم يقول‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هو كلام أنس والضمير في سمعته للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهراً للسبب في شرائه إلى أجل، وذهل من زعم أنه كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه إخراج للسياق عن ظاهره بغير دليل انتهى‏.‏ ‏(‏وإن عنده يومئذ لتسع نسوة‏)‏ قال الحافظ مناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله الإشارة إلى سبب قوله صلى الله عليه وسلم هذا وأنه لم يقله متضجراً ولا شاكياً معاذ الله من ذلك، وإنما قاله معتذراً عن إجابة دعوة اليهودي ولرهنه عنده درعه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وغيره‏.‏

827- باب مَا جَاءَ في كِتَابَةِ الشُرُوط

1213- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّار‏.‏ أخبرنا عَبّادُ بنُ لَيْثٍ صَاحِبُ الكَرَابِيسِي البصري‏.‏ أخبرنا عَبْد المَجِيدِ بنُ وَهْبٍ قالَ‏:‏ قالَ لِي العَدّاءُ بنُ خَالِدِ بنِ هَوْذَةَ‏:‏ ألاَ أُقْرِئُكَ كِتَاباً كَتَبَهُ لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قالَ قلت‏:‏ بَلَى‏.‏ فَأَخْرَجَ لِي كِتَاباً ‏(‏هذَا ما اشْتَرَى العَدّاءُ بنُ خَالِدِ بنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمّدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ اشْتَرَى مِنْهُ عَبْداً أوْ أمَةً‏.‏ لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَةَ، بَيْعَ المُسْلِم المُسْلمَ‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ عَبّادِ بنِ لَيْثٍ‏.‏ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ هذَا الحدِيثَ غيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ الحَديثِ‏.‏

‏(‏أخبرنا عباد بن ليث‏)‏ أبو الحسن البصري صدوق يخطئ من التاسعة ‏(‏صاحب الكرابيس‏)‏ ويقال له الكرابيسي أيضاً، والكرابيس جمع كرباس بالكسر ثوب من القطن الأبيض معرب فارسيته بالفتح غيروه لعزة فعلال‏.‏ والنسبة كرابيسي كأنه شبه بالأنصاري وإلا فالقياس كرباسي كذا في القاموس ‏(‏قال لي العداء‏)‏ بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضاً وآخره همزة بوزن الفعال، صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين ‏(‏بن هوذه‏)‏ بفتح الهاء وسكون الواو هو ابن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لاداء‏)‏ قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال‏.‏ وقال ابن المنير‏:‏ لاداء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع كان من بيع المسلم للمسلم، ومحصله أنه لم يرد بقوله‏:‏ لاداء‏.‏ نفي الداء مطلقاً بل نفي داء مخصوص وهو ما لم يطلع عليه ‏(‏ولا غائله‏)‏ قيل‏:‏ المراد بها الإباق‏.‏ وقال ابن بطال‏:‏ هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي‏.‏ ‏(‏ولا خبثة‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وبضمها وسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل‏:‏ المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق‏.‏ وقال صاحب العين‏:‏ هي الدنية‏.‏ وقيل‏:‏ المراد الحرام‏.‏ كما عبر عن الحلال بالطيب‏.‏ وقيل الداء ما كان في الخلق بفتح الخاء، والخبثة ما كان في الخلق بضمها‏.‏ والغائلة سكوت البائع عن بيان ما يعلم من مكروه في المبيع‏.‏ قاله ابن العربي كذا في النيل‏.‏ ‏(‏بيع المسلم المسلم‏)‏ المسلم الأول بالجر فاعل والثاني بالنصب مفعول‏.‏ والمعنى أن هذا بيع المسلم المسلم ليس فيه شيء مما ذكر من الداء والغائلة والخبثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن الجارود وعلقه البخاري‏.‏

828- باب مَا جَاءَ في الْمِكْيَالِ والْمِيزَان

1214- حدثنا سَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ الطّالَقَانِيّ‏.‏ حدّثنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الله الوَاسِطِيّ عنْ حُسَيْنِ بنِ قَيْسٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ، قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأصْحَابِ الكَيْلِ والمِيزَانِ ‏"‏إنّكُمْ قَدْ وُلّيْتُمْ أَمْرَيْنِ، هَلَكَتْ فِيهِ الأُمَمُ السّالِفَةُ قَبْلَكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حدِيثِ حُسَيْنِ بنِ قَيْسٍ‏.‏ وحُسَيْنُ بنُ قَيسٍ يُضَعّفُ في الحَدِيثِ‏.‏ وقَدْ رُوِيَ هذَا بِإسْنَادٍ صَحِيحٍ عنِ ابنِ عَبّاسٍ موقوفاً‏.‏

قوله ‏(‏إنكم قد وليتم‏)‏ بضم الواو وتشديد اللام المكسورة ‏(‏أمرين‏)‏ أي جعلتم حكاماً في أمرين أي الوزن والكيل‏.‏ وإنما قال أمر بن أبهمة ونكره ليدل على التفخيم، ومن ثم قيل في حقهم‏:‏ ويل للمطففين ‏(‏هلكت فيه‏)‏ كذا في نسخ الترمذي‏.‏ وفي المشكاة فيهما وهو الظاهر ‏(‏الأمم السالفة قبلكم‏)‏ كقوم شعيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام كانوا يأخذون من الناس تاما‏.‏ وإذا أعطوهم أعطوهم ناقصاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحسين بن قيس يضعف في الحديث‏)‏ في التقريب‏:‏ حسين بن قيس الرجي أبو علي الواسطي لقبه حنش متروك من السادسة‏.‏ ‏(‏وقد روي هذا بإسناد صحيح موقوفاً عن ابن عباس‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث الباب‏:‏ رواه الترمذي والحاكم كلاهما من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عنه أي عن ابن عباس وقال الحاكم صحيح الإسناد‏.‏ قال الحافظ المنذري‏:‏ كيف وحسين بن قيس متروك، والصحيح عن ابن عباس موقوف‏.‏ كذا قاله الترمذي وغيره انتهى‏.‏

829- باب مَا جَاءَ في بَيْعِ مَنْ يزِيد

1215- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ‏.‏ حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ شمَيْطِ بنِ عَجْلاَنَ‏.‏ حدّثنَا الأخْضَرُ بنُ عَجْلاَنَ عنْ عَبْدِ الله الحَنَفِيّ، عنْ أنسٍ بنِ مَالِكٍ، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَاعَ حِلْساً وقَدَحاً‏.‏ وقالَ ‏"‏مَنْ يشْترِي هَذَا الحِلْسَ والقدَحَ‏"‏‏؟‏ فقَالَ رَجُلٌ‏:‏ أَخَذْتُهُمَا بِدِرْهَمٍ‏.‏ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ يزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ‏؟‏ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ‏؟‏‏"‏ فَأَعْطَاهُ رَجُلٌ دِرْهَمَيْنِ‏.‏ فَبَاعَهُمَا مِنْهُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ لاَ نَعْرِفهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ الأخْضَرِ بنِ عَجْلاَنَ‏.‏ وعَبْدُ الله الحَنَفِيّ الّذِي رَوَى عنْ أنَسٍ، هُوَ أبُو بَكْرٍ الحَنَفِيّ‏.‏ والعَملُ عَلَى هذَا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلمِ‏.‏ لَمْ يَرَوْا بَأْساً بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ في الْغَنَائِمِ والْمَوَارِيثِ وقَدْ رَوَى الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ، وغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ كبار الناس عنِ الأخْضَرِ بنِ عَجْلاَنَ هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏باع حلساً‏)‏ بكسر الحاء المهملة وسكون اللام، كساء يوضع على ظهر البعير تحت القتب لا يفارقه‏.‏ والحلس البساط أيضاً‏.‏ ومنه‏:‏ كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية ‏(‏وقدحا‏)‏ بفتحتين أي أراد بيعهما وقضيته أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم صدقة‏.‏ فقال له‏:‏ هل لك شيء‏؟‏ فقال‏:‏ ليس لي إلا حلس وقدح‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بعهما وكل ثمنهما ثم إذا لم يكن لك شيء فسل الصدقة‏"‏‏.‏ فباعهما‏.‏ كذا في المرقاة ‏(‏من يزيد على درهم الخ‏)‏، فيه جواز الزيادة على الثمن إذا لم يرض البائع بما عين الطالب‏.‏ قال النووي رحمه الله‏:‏ هذا ليس بسوم لأن السوم هو أن يقف الراغب والبائع على البيع ولم يعقداه، فيقول الاَخر للبائع أنا أشتريه‏.‏ وهذا حرام بعد استقرار الثمن‏.‏ وأما السوم بالسلعة التي تباع لمن يزيد فليس بحرام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي‏.‏ ونقل عن البخاري أنه قال‏:‏ لا يصح حديثه كذا في التلخيص‏.‏ والحديث رواه أحمد وأبو داود مطولاً ورواه أبو داود أيضاً والترمذي والنسائي مختصراً قاله الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأساً ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث‏)‏ حكى البخاري عن عطاء أنه قال‏:‏ أدركت الناس لا يرون بأساً في بيع المغانم في من يزيد‏.‏ ووصله ابن أبي شيبة عن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال‏:‏ لا بأس ببيع من يزيد‏.‏ وكذلك كانت تباع الأخماس‏.‏ قال ابن العربي لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكان الترمذي يقيد بما ورد في حديث ابن عمر الذي أخرجه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أحد حتى يذر‏.‏ إلا الغنائم والمواريث‏.‏ وكأنه خرج على الغالب فيما يعتاد فيه البيع مزايدة وهي الغنائم والمواريث ويلتحق بهما غيرهما للإشتراك في الحكم، وقد أخذ بظاهره الأوزاعي وإسحاق فخصا الجواز ببيع المغانم والمواريث‏.‏ وعن إبراهيم النخعي أنه كره بيع من يزيد انتهى‏.‏ وقال العيني في عمدة القاري‏:‏ أما البيع والشراء فيمن يزيد فلا بأس فيه في الزيادة على زيادة أخيه‏.‏ وذلك لما رواه الترمذي من حديث أنس ثم ذكر العيني حديث الباب ثم قال وهو قول مالك والشافعي وجمهور أهل العلم‏.‏ وكره بعض أهل العلم الزيادة على زيادة أخيه ولم يروا صحة هذا الحديث وضعفه الأزدي بالأخضر بن عجلان في سنده‏.‏ وحجة الجمهور على تقدير عدم الثبوت أنه لو ساوم وأراد شراء سلعته وأعطى فيها ثمناً لم يرض به صاحب السلعة‏.‏ ولم يركن إليه ليبيعه فإنه يجوز لغيره طلب شراؤها قطعاً‏.‏ ولا يقول أحد إنه يحرم السوم بعد ذلك قطعاً كالخطبة على خطبة أخيه إذا رد الخاطب الأول لأنه لا فرق بين الموضعين‏.‏ وذكر الترمذي عن بعض أهل العلم جواز ذلك يعني بيع من يزيد في الغنائم والمواريث‏.‏ قال العيني روى الدارقطني من رواية ابن لهيعة قال حدثنا عبيد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزايدة ولا بيع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث‏.‏ ثم رواه من طريقين آخرين‏:‏ أحدهما عن الواقدي مثله وقال شيخنا يعني الحافظ زين الدين العراقي رحمه الله‏:‏ والظاهر أن الحديث خرج على الغالب وعلى ما كانوا يعتادون فيه مؤايدة وهي الغنائم والمواريث، فإنه وقع البيع في غيرهما مزايدة‏.‏ فالمعنى واحد كما قاله ابن العربي‏.‏ انتهى‏.‏ كلام العيني، قلت من كره بيع من يزيد لعله تمسك بما رواه البزار من حديث سفيان بن وهب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع المزايدة لكنه حديث ضعيف فإن في إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف‏.‏

830- باب مَا جَاء في بَيعِ المُدَبّر

‏(‏باب ما جاء في بيع المدبر‏)‏ اسم مفعول من التدبير وهو تعليق العتق بالموت‏.‏

1216- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ‏.‏ حدّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرو بنِ دِينَارٍ، عنْ جَابِرٍ أنّ رَجُلاً مِنَ الأنْصَارِ دَبّرَ غُلاَماً لَهُ‏.‏ فمَاتَ ولَمْ يَتْرُكْ مَالاً غَيْرَهُ‏.‏ فَبَاعَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فاشْترَاهُ نَعيمُ بنُ عبد الله بن النحّامِ قالَ جَابِرٌ‏:‏ عَبْداً قِبْطيّاً مَاتَ عَامَ الأوّل، في إمَارَةِ ابنِ الزّبَيْرِ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ و رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وجْهٍ عنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا الحَديثِ عِنْدَ بعْضِ أهْلِ العِلْمِ منْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ لَمْ يَرَوْا بِبَيْعِ المُدَبّرِ بأساً وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأحْمَدَ وإسْحَاقَ‏.‏ وَكَرهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ منْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ بيْعَ المُدَبّرِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَمَالِكٍ والأوْزَاعِيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً من الأنصار‏)‏ في مسلم أنه أبو مذكور الأنصاري والغلام اسمه يعقوب‏.‏ ولفظ أبي داود‏:‏ أن رجلاً يقال له أبو مذكور أعتق غلاماً يقال له يعقوب ‏(‏دبر غلاماً له‏)‏ بأن قال‏:‏ أنت حر بعد موتي ‏(‏فمات ولم يترك مالاً غيره‏)‏ قال العيني في عمدة القاري‏:‏ هذا مما نسب به سفيان بن عيينة إلى الخطأ أعني قوله فمات ولم يكن سيده مات كما هو مصرح به في الأحاديث الصحيحة‏.‏ وقد بين الشافعي خطأ ابن عيينة فيها بعد أن رواه عنه‏.‏ وقال البيهقي من طريق شريك عن سلمة بن كهيل عن عطاء وأبي الزبير عن جابر‏:‏ أن رجلاً مات وترك مدبراً وديناً ثم قال البيهقي‏:‏ وقد اجمعوا على خطأ شريك في ذلك‏.‏ وقال شيخنا يعني الحافظ العراقي‏:‏ وقد رواه الأوزاعي وحسين المعلم وعبد المجيد بن سهيل كلهم عن عطاء، لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة بل صرحوا بخلافها انتهى‏.‏ ‏(‏فاشتراه نعيم‏)‏ بضم النون مصغراً ابن النحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة ‏(‏قال جابر عبداً قبطياً‏)‏ أي كان ذلك الغلام عبداً قبطياً وهو يعقوب القبطي ‏(‏مات‏)‏ أي ذلك الغلام ‏(‏عام الأول في إمارة ابن الزيبر‏)‏ أي في العام الأول من إمارة ابن الزبير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة قوله‏:‏ ‏(‏لم يروا بأسابيع المدبر وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ قال الشوكاني في النيل‏:‏ والحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقاً من غير تقييد بالفسق والضرورة‏.‏ وإليه ذهب الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء وحكى النووي عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقاً‏.‏ والحديث يرد عليهم انتهى‏.‏

831- باب ما جَاء في كَرَاهِيَةِ تلَقّي البُيُوع

‏(‏باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع‏)‏ أي المبيعات وأصحابها قال في مجمع البحار هو أن يستقبل المصري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذباً ليشتري منه سلعته بالوكس وأقل من الثمن انتهى

1217- حدثنا هَنّادٌ‏.‏ حدّثنَا ابنُ المُبَارَكِ‏.‏ أخبرنا سُلَيْمانُ التّيْمِي عنْ أَبي عُثمانَ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ نَهَى عنْ تَلَقّى البُيُوعِ‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عنْ عَلِي وابنِ عَبّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وأبي سَعِيدٍ وابنِ عُمَرَ ورَجُلٍ منْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

1218- حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ‏.‏ حدّثَنا عبدُ الله بنُ جَعْفَرٍ الرّقّيّ حدّثَنا عُبَيْدُ الله بنُ عَمْرو عنْ أيّوبَ، عنْ مُحَمّدِ بنِ سِيرينَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُتَلَقّى الجَلبُ‏.‏ فإن تلقَاهُ إنْسَانٌ فابْتَاعهُ، فَصَاحِبُ السّلْعَةِ فيهَا بِالخِيارِ‏.‏ إذَا وَرَدَ السّوقَ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ منْ حدِيثِ أَيّوبَ‏.‏ وَحدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ تَلَقّى البُيُوعِ‏.‏ وهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الخَدِيعَةِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وغَيْرِهِ مِنْ أصْحَابِنَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه نهى عن تلقي البيوع‏)‏ فيه دليل على أن التلقي محرم‏.‏ وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا‏:‏ لا يجوز تلقي البيوع والركبان، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي‏.‏ وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين‏:‏ أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عمر ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أما حديث علي فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى أن يتلقى‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏الجلب‏)‏ بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول أي المجلوب، يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة ‏(‏فإن تلقاه‏)‏ أي الجلب ‏(‏إنسان فابتاعه‏)‏ أي اشتراه ‏(‏فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق‏)‏ قال صاحب المنتقى‏:‏ فيه دليل على صحة البيع انتهى‏.‏ واختلفوا‏:‏ هل يثبت له الخيار مطلقاً أو بشرط أن يقع له في البيع غبن‏؟‏ ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية‏:‏ وهو الظاهر‏.‏ وظاهره أن النهي لأجل منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي، قال‏:‏ والحديث حجة للشافعي‏.‏ أنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق انتهى‏.‏ وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق، وهذا لا يكون دليلاً لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك يخدع‏.‏ ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مراعاة نفع البائع ونفع أهل السوق انتهى ما في النيل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب الخ‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري ‏(‏وحديث ابن مسعود حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان قوله‏:‏ ‏(‏وقد كره قوم من أهل العلم تلقي البيوع الخ‏)‏ وهو الحق عندي والله تعالى أعلم‏.‏

832- باب مَا جَاء لاَ يبِيعُ حَاضِر لِبَاد

1219- حدثنا قُتَيْبَةُ و أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قالاَو حدّثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنِ الزُهْرِيّ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ طَلْحَةَ وجابر وأنَسٍ وابنِ عَبّاسٍ وَحَكِيمِ بنِ أبي يَزِيدَ، عنْ أبيهِ، وعَمْرِو بن عَوْفٍ المُزَنِيّ جَدّ كَثِيرِ بنِ عَبْدِ الله وَرَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

1220- حدثنا نَصْر بنُ عَلِيَ و أحْمَدُ بنُ مَنيعٍ قالاَ‏:‏ حدّثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ أبي الزّبَيْرِ، عنْ جَابِرٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ‏.‏ دَعُوا النّاسَ، يَرْزُقُ الله بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْض‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وحدِيثُ جَابِرٍ في هذا، هُوَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ أيْضاً‏.‏ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِمْ‏.‏ كرِهُوا أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ‏.‏ وَرَخّصَ بَعْضُهُمْ في أنْ يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ‏.‏ وقالَ الشّافِعِيّ‏:‏ يُكْرَهُ أنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإنْ بَاعَ فالْبَيْعُ جَائِزٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يبيع حاضر لباد‏)‏ الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية‏:‏ قال في القاموس‏:‏ الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الإقامة في الحضر‏.‏ ثم قال والحاضر خلاف البادي وقال في البدو والبادية والباداة والبداوة خلاف الحضر، وتبدى أقام بها وتبادى تشبه بأهلها‏.‏ والنسبة بداوي وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية‏.‏ انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي، وبه قال الشافعي والأكثرون قال أصحابنا‏:‏ والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له البلدي اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلى‏.‏ قال أصحابنا وإنما يحرم بهذه الشروط، وبشرط أن يكون عالماً بالنهي‏.‏ فلو لم يعلم النهي وكان المتاع مما لا يحتاج في البلد أو لا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم‏.‏ هذا مذهبنا وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم‏:‏ وقال بعض المالكية‏:‏ بفسخ البيع ما لم يفت‏.‏ وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة‏:‏ يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقاً لحديث‏:‏ الدين النصيحة‏.‏ قالوا‏:‏ وحديث النهي عن بيع حاضر لباد منسوخ‏.‏ وقال بعضهم إنه على كراهة التنزيه بمجرد الدعوى‏.‏ انتهى كلام النووي‏.‏ وقال في سبل السلام‏:‏ وكل هذه القيود لا يدل عليها الحديث بل استنبطوها من تعليلهم للحديث بعلل متصيدة من الحكم‏.‏ قال ودعوى النسخ غير صحيحة لافتقاره إلى معرفة التاريخ‏.‏ وحديث النصيحة مشروط فيه، أنه إذا استنصح أحدكم اخاه فلينصح له فإذا استنصحه نصحه بالقول لأنه يتولى له البيع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن طلحة‏)‏ أخرجه أبو داود ‏(‏وأنس‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وحكيم بن أبي يزيد عن أبيه‏)‏ أخرجه أحمد وذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه‏.‏ وأما حديث عمرو بن عوف، وحديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف عليهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو الناس‏)‏ أي اتركوهم ليبيعوا متاعهم رخيصاً ‏(‏يرزق الله بعضهم من بعض‏)‏ بكسر القاف عل أنه مجزوم في جواب الأمر وبضمها على أنه مرفوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏حديث جابر في هذا هو حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ورخص بعضهم في أن يشتري حاضر لباد‏)‏ قال العيني‏:‏ وقد اختلف العلماء في شراء الحاضر للبادي فكرهت طائفة كما كرهوا البيع له واحتجوا بأن البيع في اللغة يقع على الشراء كما يقع الشراء على البيع كقوله تعالى ‏{‏وشروه بثمن بخس‏}‏ أي باعوه وهو من الأضداد، وروي ذلك عن أنس‏.‏ وأجازت طائفة الشراء لهم، وقالوا‏:‏ إن النهي إنما جاء في البيع خاصة ولم يعدوا ظاهر اللفظ‏.‏ وروي ذلك عن الحسن البصري رحمه الله واختلف قول مالك في ذلك فمرة قال‏:‏ لا يشتري له ولا يشتري عليه‏.‏ ومرة أجاز الشراء له وبهذا قال الليث والشافعي‏.‏ وقال الكرماني قال إبراهيم‏:‏ والعرب تطلق البيع على الشراء‏.‏ ثم قال الكرماني‏:‏ هذا صحيح على مذهب من جوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه، اللهم إلا أن يقال البيع والشراء ضدان فلا يصح إرادتهما معاً فإن قلت فما توجيهه‏؟‏ قلت‏:‏ وجهه أن يحمل على عموم المجاز انتهى‏.‏ قال العيني‏.‏ قول إبراهيم المذكور ليس مبنياً على أنه مشترك‏.‏ واستعمل في معنييه بل هما من الأضداد انتهى كلام العيني‏.‏

833- باب مَا جَاء في النّهْيِ عن المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَة

‏(‏باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة‏)‏ يأتي تفسيرهما عن الترمذي

1221- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثَنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرحمَنِ الإسكندراني عنْ سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَن المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ‏.‏

قال وفي البابِ عنِ ابنِ عُمرَ وابنِ عَبّاسٍ وَزَيْدِ بن ثابت وسَعْدٍ وجَابِرٍ ورَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وأبي سَعيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

والمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزّرْعِ بِالحنْطَةِ‏.‏ والمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثّمَرِ عَلَى رُؤُوسِ النخْلِ بالتّمْرِ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أكثر أهْل العِلْمِ‏.‏ كَرِهُوا بيْعَ المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ‏.‏

1222- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عنْ عبدِ الله بنِ يَزِيدَ أَنّ زَيْداً أبَا عَيّاشٍ، سَأَلَ سَعْداً عنِ البَيْضَاءِ بالسّلْتِ‏.‏ فقَالَ‏:‏ أَيّهُمَا أَفْضَلُ‏؟‏ قالَ‏:‏ البَيْضَاءُ‏.‏ فَنَهَى عنْ ذَلِكَ‏.‏ وقالَ سَعْدٌ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ عنِ اشْتِرَاءِ التّمْرِ بالرّطبِ‏.‏ فقالَ لِمَنْ حَوْلهُ ‏"‏أيَنْقُصُ الرّطَبُ إذَا يَبِسَ‏؟‏‏"‏ قَالُوا نَعَمْ، فَنَهَى عنْ ذلِكَ‏.‏

حدثنا هنادٌ‏.‏ حدّثنَا وكِيعٌ عن مَالِكٍ، عنْ عبدِ الله بنِ يَزِيدَ عنْ زَيْدٍ أبي عَيّاشٍ قالَ‏.‏ سَأَلْنَا سَعْداً، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وأصْحَابِنَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة‏)‏ قد جاء تفسير المحاقلة والمزابنة في الحديث وهو المعتمد‏.‏ روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع نمر حائطة إن كان نخلاً بتمر كيلاً‏.‏ وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً‏.‏ وعند مسلم‏:‏ وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام‏.‏ نهى عن ذلك كله، وفي رواية لهما‏:‏ نهى عن المزابنة‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏والمزابنة أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر بكيل مسمى إن زاد فلى، وإن نقص فعلى‏"‏‏.‏ وعن جابر قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة‏.‏ الحديث رواه مسلم كذا في المشكاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت وسعد وجابر ورافع بن خديج وأبي سعيد‏)‏ أما حديث ابن عمر وجابر فقد تقدم آنفاً‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري‏.‏ وأما حديث زيد بن ثابت فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث سعد فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وأما حديث رافع بن خديح فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والمحاقلة بيع الزرع بالحنطة‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ المحاقلة مختلف فيها قيل هي اكتراء الأرض بالحنطة‏.‏ هكذا جاء مفسراً في الحديث وهو الذي يسميه الزراعون بالمحارثة‏.‏ وقيل هي المزارعة على نصيب معلوم كالثلث والربع ونحوهما وقيل هي بيع الطعام في سنبلة بالبر‏.‏ وقيل بيع الزرع قبل إدراكه‏.‏ وإنما نهى عنها لأنها من المكيل ولا يجوز فيه إذا كانا من جنس واحد إلا مثلاً بمثل، ويداً بيد‏.‏ وهذا مجهول لا يدري أيهما أكثر‏.‏ وفيه النسيئة انتهى‏.‏ ‏(‏والمزابنة بيع الثمر على رؤوس النخل بالتمر‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ المحاقلة مفاعلة من الحقل وهو الزرع إذا تشعب قبل أن يغلظ سوقه‏.‏ وقيل هو من الحقل وهي الأرض التي تزرع ويسميه أهل العراق القراح انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن زيداً أبا عياش‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ زيد ابن عياش بالتحتانية أبو عياش المدني صدوق من الثالثة ‏(‏سأل سعداً‏)‏ هو ابن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ‏(‏عن البيضاء بالسلت‏)‏ وفي رواية الموطإ للإمام محمد عمن اشترى البيضاء بالسلت‏.‏ والبيضاء هو الشعير كما في رواية، ووهم وكيع فقال عن مالك الذرة ولم يقله غيره‏.‏ والعرب تطلب البيضاء على الشعير والسمراء على البر‏.‏ كذا قال ابن عبد البر والسلت بضم السين وسكون اللام ضرب من الشعير لا قشر له يكون في الحجاز‏.‏ قاله الجوهري كذا في التعليق الممجد‏.‏ قال الجزرى في النهاية‏:‏ البيضاء الحنطة وهي السمراء أيضاً، وقد تكرر ذكرها في البيع والزكاة وغيرهما وإنما كره ذلك لأنهما عنده جنس واحد وخالفه غيره انتهى‏.‏ وقال السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له‏.‏ وقيل هو نوع من الحنطة‏.‏ والأول أصح لأن البيضاء الحنطة انتهى‏.‏ وقال في حاشية موطإ الإمام مالك‏:‏ البيضاء نوع من البر أبيض وفيه رخاوة تكون ببلاد مصر والسلت نوع من الشعير لا قشر له تكون في الحجاز وحكى الخطابي عن بعضهم أنه قال البيضاء هو الرطب من السلت‏.‏ والأول أعرف إلا أن هذا القول أليق بمعنى الحديث، وعليه يدل موضع التشبيه من الرطب بالتمر‏.‏ ولو اختلف الجنس لم يصح التشبيه وفي الغريبين‏:‏ السلت هو حب الحنطة، والشعير لا قشر له انتهى‏.‏ وفي القاموس‏:‏ البيضاء هو الحنطة والرطب من السلت انتهى‏.‏ ‏(‏فنهى عن ذلك‏)‏ فيه تأمل فتأمل وتفكر ‏(‏أينقص الرطب إذا يبس‏)‏ بهمزة الاستفهام فنهى عن ذلك قال الإمام محمد في موطإه بعد رواية هذا الحديث‏:‏ وبهذا نأخذ لا خير في أن يشتري الرجل قفيز رطب بقفيز من تمر يداً بيد‏.‏ لأن الرطب ينقص إذا جف فيصير أقل من قفيز فلذلك فسد البيع فيه انتهى‏.‏ وبه قال أحمد والشافعي ومالك وغيرهم وقالوا لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متفاضلاً ولا متماثلاً يداً بيد كان أو نسيئة‏.‏ وأما التمر بالتمر والرطب بالرطب فيجوز ذلك متماثلاً لا متفاضلاً يداً بيد لا نسيئة، وفيه خلاف أبي حنيفة حيث جوز بيع التمر بالرطب متماثلاً إذا كان يداً بيد لأن الرطب تمر وبيع التمر بالتمر جائز متماثلاً من غير اعتبار الجودة والرداءة‏.‏ وقد حكى عنه أنه لما دخل بغداد سألوه عن هذا وكانوا أشداء عليه لمخالفته الخبر‏.‏ فقال‏:‏ الرطب إما أن يكون تمراً أو لم يكن تمراً، فإن كان تمراً جاز لقوله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل، وإن لم يكن تمراً جاز لحديث‏:‏ إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم‏.‏ فأوردوا عليه الحديث فقال‏:‏ مداره على زيد بن عياش، وهو مجهول، أو قال ممن لا يقبل حديثه‏.‏ واستحسن أهل الحديث هذا الطعن منه حتى قال ابن المبارك‏:‏ كيف يقال إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث وهو يقول زيد ممن لا يقبل حديثه‏؟‏ قال ابن الهمام في الفتح رد ترديده بأن ههنا قسماً ثالثاً، وهو أنه من جنس التمر ولا يجوز بيعه بالاَخر كالحنطة المقلية بغير المقلية لعدم تسوية الكيل بهما، فكذا الرطب والتمر لا يسويهما الكيل، وإنما يسوي في حال اعتدال البدلين وهو أن يجف الاَخر وأبو حنيفة يمنعه ويعتبر التساوي حال العقد‏.‏ وعروض النقص بعد ذلك لا يمنع من المساواة في الحال إذا كان موحيه أمراً خلقياً وهو زيادة الرطوبة بخلاف المقلية بغيرها فإنه في الحال يحكم لعدم التساوي لاكتناز أحدهما وتخلخل الاَخر‏.‏ ورد طعنه في زيد بأنه ثقة كما مر وقد يجاب أيضاً بأنه على تقدير صحته السند، فالمراد النهي نسيئة‏.‏ فإنه ثبت في حديث أبي عياش هذا زيادة نسيئة‏.‏ أخرجه أبو داود عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعداً يقول‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة، وأخرجه الحاكم والطحاوي في شرح معاني الآثار‏.‏ ورواه الدارقطني وقال اجتماع هؤلاء الأربعة يعني مالكاً وإسماعيل ابن أمية والضحاك بن عثمان وآخر على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث وأنت تعلم أن بعد صحة هذه الرواية يجب قبولها لأن المذهب المختار عند المحدثين هو قبول الزيادة وإن لم يروها الأكثر إلا في زيادة تفرد بها بعض الحاضرين في المجلس فإن مثله مردود كما كتبناه في تحرير الأصول، وما نحن فيه لم يثبت أنه زيادة في مجلس واحد لكن يبقى قوله في تلك الرواية الصحيحة‏:‏ أينقص الرطب إذا جف عرياً عن الفائدة إذا كان النهي عنه للنسيئة انتهى كلام ابن الهمام‏.‏ وهذا غاية التوجيه في المقام مع ما فيه من الإشارة إلى ما فيه‏.‏ وللطحاوي كلام من شرح معاني الآثار مبني على ترجيح رواية النسيئة، وهو خلاف جمهور المحدثين وخلاف سياق الرواية أيضاً، ولعل الحق لا يتجاوز عن قولهما وقول الجمهور كذا في التعليق الممجد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مالك في الموطإ وأصحاب السنن‏.‏

وقد أعل أبو حنيفة هذا الحديث من أجل زيد بن عياش وقال مداره على زيد بن عياش وهو مجهول وكذا قال ابن حزم، وتعقبوهما بأن الحديث صحيح وزيد ليس بمجهول، قال الزرقاني‏:‏ زيد كنيته أبو عياش واسم أبيه عياش المدني تابعي صدوق نقل عن مالك أنه مولى سعد بن أبي وقاص وقيل إنه مولى بني مخزوم‏.‏ وفي تهذيب التهذيب‏:‏ زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ويقال المخزومي روى عن سعد وعنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أنيس ذكره ابن حبان في الثقات، وصحح الترمذي وابن خزيمة وابن حبان حديثه المذكور‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ ثقة‏.‏ وقال الحاكم في المستدرك هذا حديث صحيح لإجماع أئمة النقل على إمامة مالك‏.‏ وأنه محكم في كل ما يرويه إذا لم يوجد في روايته إلا الصحيح خصوصاً في رواية أهل المدينة‏.‏ والشيخان لم يخرجاه لما خشيا من جهالة زيد انتهى‏.‏ وفي فتح القدير شرح الهداية قال صاحب التنقيح‏:‏ زيد بن عياش أبو عياش الزرقي المدني ليس به بأس ومشائخنا ذكروا عن أبي حنيفة بأنه مجهول، ورد طعنه بأنه ثقة‏.‏ وروى عنه مالك في الموطإ وهو لا يروي عن مجهول‏.‏ وقال المنذري كيف يكون مجهولاً وقد روى عنه ثقتان عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنيس وهما مما احتج بهما مسلم في صحيحه وقد عرفه أئمة هذا الشأن وأخرج حديثه مالك مع شدة تحريه في الرجال‏.‏ وقال ابن الجوزي في التحقيق قال أبو حنيفة‏:‏ إنه مجهول فإن كان هو لم يعرفه فقد عرفه أئمة النقل انتهى‏.‏ وفي غاية البيان شرح الهداية نقلوا تضعيفه عن أبي حنيفة‏.‏ ولكن لم يصح ضعفه في كتب الحديث، فمن أدعى فعليه البيان انتهى‏.‏ وفي البناية للعيني عنه قول صاحب الهداية‏:‏ زيد بن عياش ضعيف عند النقلة هذا ليس بصحيح بل هو ثقة عند النقلة انتهى كذا في التعليق الممجد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول الشافعي وأصحابنا‏)‏ وهو الحق والصواب وقد عرفت قول الإمام أبي حنيفة وما فيه من الكلام‏.‏

834- باب مَا جَاء في كَرَاهِيَةِ بيْعِ الثّمرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلاحها

1223- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حدّثنَا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ، عنْ أَيُوبَ، عنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ النّخْلِ حَتّى يَزهُوَ‏.‏

1224- وبِهذا الإسْنَادِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ السّنْبُلِ حَتّى يَبْيَضّ وَيَأْمَنَ العَاهَةَ‏.‏ نَهَى البائِعَ والْمشْتَرِي‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عنْ أَنَسٍ، وعَائِشَةَ، وأبي هريرة، وابنِ عَبّاسٍ، وَجَابِرٍ وأبي سَعِيدٍ وَزَيدِ بنِ ثَابِتٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابنِ عُمَر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ‏.‏ كَرِهُوا بَيعَ الثّمَارِ قَبْل أنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا‏.‏ وهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ وَأحْمَدَ وَإسْحَاقَ‏.‏

1225- حدثنا الحَسنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ‏.‏ حدّثنَا الوَلِيدِ وَ عَفّانُ وَ سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، قالُوا‏:‏ حدّثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عنْ حُمَيْدٍ، عنْ أنَسٍ، ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ العِنَبِ حَتّى يَسْودّ، وعَنْ بَيْعِ الحَبّ حَتّى يَشْتَدّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حديثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يزهو‏)‏ يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وأزهى يزهي إذا أحمر أو أصفر وقيل هما بمعنى الاحمرار والاصفرار‏.‏ منهم من أنكر يزهو‏.‏ ومنهم من أنكر يزهي‏.‏ وفي صحيح البخاري في حديث أنس‏:‏ قلنا لأنس ما زهوها‏؟‏ قال تحمر أو تصفر‏.‏ وقال الزيلعي في نصب الراية يستعمل زها وأزهى ثلاثياً ورباعياً قال في الصحاح‏:‏ يقال زهى النخل يزهو إذا بدت فيه الحمرة أو الصفرة‏.‏ وأزهى لغة حكاها أبو زيد ولم يعرفها الأصمعي ووقع رباعياً في الصحيح وثلاثياً عند مسلم كلاهما من حديث أنس انتهى كلام الزيلعي‏.‏

‏(‏حتى يبيض‏)‏ أي يشتد حبه ‏(‏ويأمن العاهة‏)‏ أي الاَفة‏.‏ والجملة من باب عطف التفسير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وعائشة‏)‏ أخرجه الدارقطني في العلل بلفظ‏:‏ نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة كذا في التلخيص ‏(‏وأبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ‏(‏وابن عباس‏)‏ أخرجه الدارقطني بلفظ‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم الحديث ‏(‏وجابر‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود أبي ‏(‏سعيد‏)‏ لينظر من أخرجه ‏(‏وزيد بن ثابت‏)‏ أخرجه أبو داود وذكره البخاري تعليقاً قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح‏)‏‏.‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا بيع الثمار قبل بدو صلاحها‏.‏ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ كذا قال الترمذي وقال الحافظ في الفتح‏:‏ قد اختلف في ذلك على أقوال‏.‏ فقيل‏:‏ يبطل مطلقاً‏.‏ وهو قول ابن أبي ليلى والثوري، ووهم من نقل الإجماع على البطلان‏.‏ وقيل‏:‏ يجوز مطلقاً ولو شرط التبقية‏.‏ وهو قول يزيد بن أبي حبيب، ووهم من نقل الأجماع فيه أيضاً‏.‏ وقيل‏:‏ إن شرط القطع لم يبطل وإلا بطل‏.‏ وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور ورواية عن مالك‏.‏ وقيل‏:‏ يصح إن لم يشترط التبقية، والنهي فيه محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلاً، وهو قول أكثر الحنفية‏.‏ وقيل هو على ظاهره لكن النهي فيه للتنزيه انتهى ما في الفتح‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ اعلم أن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل الصلاح، وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي‏.‏ ومن ادعى أن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهو محتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي، ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها كما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقاً‏.‏ وقد عول المجوزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك‏.‏ فالحق ما قاله الأولون من عدم الجواز مطلقاً‏.‏ وظاهر النصوص أيضاً أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط البقاء أو لم يشرط لأن الشارع قد جعل النهي ممتداً إلى غاية بدو الصلاح‏:‏ وما بعد الغاية مخالف لما قبلها‏.‏ ومن ادعى أن شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط‏.‏ وأيضاً ليس كل شرط في البيع منهياً عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع، وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يسود‏)‏ بتشديد الدال أي يبدو صلاحه زاد مالك في الموطإ‏:‏ فإنه إذا اسود ينجو عن العاهة ‏(‏حتى يشتد‏)‏ اشتداد الحب قوته وصلابته قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود وأقر المنذري تحسين الترمذي‏.‏

835- باب مَا جَاءَ في بَيع حَبلِ الْحَبَلَة

‏(‏باب ما جاء في بيع حبل الحبلة‏)‏ بفتح المهملة والموحدة وقيل في الأول بسكون الموحدة، وغلط عياض وهو مصدر حبلت تحبل حبلاً‏.‏ والحبلة جمع حابل مثل ظلمة وظالم ويجيء تفسير حبل الحبلة من الترمذي

1226- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أَيّوبَ، عنْ نَافِعٍ، عنْ ابنِ عُمَرَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْع حَبَلِ الْحَبَلَةِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ وَأَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ ابنِ عُمَرَ حديث حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلم‏.‏ وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ نِتَاجُ النّتَاج‏.‏ وَهُوَ بَيعٌ مَفْسُوخٌ عَنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ هذَا الْحَدِيثَ عنْ أيّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبّاسٍ‏.‏ وَرَوَى عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ وغَيْرُهُ عَنْ أيّوبَ، عَنْ سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهَذَا أصَحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن بيع حبل الحبلة‏)‏ كذا روى الترمذي الحديث بدون التفسير‏.‏ ورواه البخاري ومسلم مع التفسير هكذا‏:‏ نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية‏.‏ كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها‏.‏ وأخرج البخاري في صحيحه في أيام الجاهلية من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حبل الحبلة‏.‏ وحبل الحبلة، أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏.‏ فظاهر هذا السياق أن هذا التفسير من كلام ابن عمر ولهذا جزم ابن عبد البر بأنه من تفسير ابن عمر كذا في الفتح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عباس‏)‏ أخرجه الطبراني في معجمه ذكره الزيلعي ‏(‏وأبي سعيد الخدري‏)‏ أخرجه ابن ماجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عمر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم، قوله‏:‏ ‏(‏وحبل الحبلة نتاج النتاج‏)‏ أي أولاد الأولاد، اعلم أن الحبل الحبلة تفسيرين مشهورين‏:‏ أحدهما- ما قال به مالك والشافعي وجماعة وهو أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد الناقة، وقال بعضهم‏:‏ أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها‏.‏ وبه جزم أبو إسحاق في التنبيه فلم يشترط وضع حبل الولد وعلة النهي على هذا التفسير الجهالة في الأجل‏.‏ وثانيهما- ما قال به أبو عبيدة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي وأكثر أهل اللغة وبه جزم الترمذي، هو بيع ولد نتاج الدابة‏.‏ وعلة النهي على هذا التفسير أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه فيدخل في بيوع الغرر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ورجح الأول لكونه موافقاً للحديث وإن كان كلام أهل اللغة موافقاً للثاني‏.‏ وقال ابن التين‏:‏ محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين‏؟‏ وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها‏.‏ وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع الجنين‏؟‏ فصارت أربعة أقوال انتهى‏.‏ وقال النووي‏:‏ التفسير الثاني أقرب إلى اللغة، لكن الراوي وهو ابن عمر قد فسره بالتفسير الأول وهو أعرف‏.‏ ومذهب الشافعي ومحقق الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالف الظاهر انتهى‏.‏ ‏(‏وهو بيع مفسوخ‏)‏ أي ممنوع ومنهى عنه ‏(‏وهو من بيوع الغرر‏)‏ هذا على تفسير الترمذي‏.‏ وأما على تفسير غير الترمذي فعلة النهي جهالة الثمن‏.‏

836- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بيْعِ الْغَرَر

‏(‏باب ما جاء في كراهية بيع الغرر‏)‏ بفتح الغين المعجمة والراء الأولى أي ما لا يعلم عاقبته من الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا‏:‏ كبيع الاَبق، والطير في الهواء، والسمك في الماء، والغائب المجهول‏.‏ ومجمله أن يكون المعقود عليه مجهولاً أو معجوزاً عنه مما انطوى بعينه من غر الثوب أي طيه أو من الغرة بالكسر أي الغفلة أو من الغرور

1227- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ‏.‏ أنبأنا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عَنْ أبي الزّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ الْحَصَاةِ‏.‏

قال وفي البابِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالْعَمَلُ عَلَى هذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلمِ‏.‏ كَرِهُوا بَيْعَ الْغَرَرِ‏.‏ قَالَ الشّافِعِيّ‏:‏ وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَيْعُ السّمَكِ فِي الْمَاءِ‏.‏ وَبَيْعُ الْعَبْدِ الاَبِقِ‏.‏ وَبَيْعُ الطّيْرِ فِي السّمَاءِ‏.‏ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْبُيُوعِ‏.‏ وَمَعنَى بَيْعِ الْحَصَاةِ، أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ للمُشْتَرِي‏:‏ إذَا نَبَذْتُ إلَيْكَ بِالْحَصَاةِ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ‏.‏ وهذا شبِيهُ ببَيْعَ المُنَابَذَةِ‏.‏ وَكَانَ هَذَا مِنْ بُيُوعِ أهْلِ الْجَاهِلِيّةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر‏)‏ قال النووي‏:‏ النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الاَبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهما، وبيع ثوب من أثواب‏.‏ وشاة من شياه، ونظائر ذلك‏.‏ وكل هذا بيع باطل لأنه غرر من غير حاجة‏.‏ وقد يحتمل بعض الغرر بيعاً إذا دعت إليه حاجة، كالجهل بأساس الدار وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن فإنه يصح البيع لأن الأساس تابع للظاهر من الدار‏.‏ ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته‏.‏ وكذا القول في حمل الشاة ولبنها، وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير‏.‏ منها أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهراً مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعة وعشرين‏.‏ وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم قال العلماء‏:‏ مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقير أجاز البيع وإلا فلا‏.‏ واعلم أن بيع الملامسة وبيع المنابذة وبيع حبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر، ولكن أفردت بالذكر ونهى عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة انتهى كلام النووي‏.‏ ‏(‏وبيع الحصاة‏)‏ فيه ثلاث تأويلات‏:‏ أحدها‏:‏ أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها‏.‏ أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه الحصاة‏.‏ والثاني‏:‏ أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة‏.‏ والثالث‏:‏ أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعاً فيقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا، قاله النووي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأنس‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه البيهقي وابن حبان‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إسناده حسن، وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه وأحمد‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى، وفي الباب أيضاً عن سهل بن سعد عند الدارقطني والطبراني‏.‏ وعن علي عند أحمد وأبو داود‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص، والعيني في شرح البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال الشافعي‏:‏ ومن بيع الغرر بيع السمك في الماء‏)‏ قال العراقي‏:‏ وهو فيما إذا كان السمك في ماء كثير بحيث لا يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه ولكن بمشقة شديدة‏.‏ وأما إذا كان في ماء يسير بحيث يمكن تحصيله منه وكذا إذا كان يمكن تحصيله منه بغير مشقة فإنه يصح لأنه مقدور على تحصيله وتسليمه، وهذا كله إذا كان مرئياً في الماء القليل، بأن يكون الماء صافياً، فأما إذا لم يكن مرئياً بأن يكون كمدراً فإنه لا يصح بلا خلاف‏.‏ انتهى كلام العراقي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى بيع الحصاة أن يقول البايع للمشتري‏:‏ إذا نبذت الخ‏)‏ وقع هذا التفسير في رواية البزار، قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وللبزار من طريق حفص بن عاصم عنه يعني عن أبي هريرة نهى عن بيع الحصاة يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع انتهى‏.‏ ‏(‏وهو‏)‏ أي بيع الحصاة ‏(‏يشبه‏)‏ من الإشباه أي يشابه ‏(‏بيع المنابذة‏)‏ هو أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الاَخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، ويأتي باقي الكلام في بيع المنابذة في بابه‏.‏

837- باب مَا جَاءَ فِي النّهْيِ عَن بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة

1228- حدثنا هَنادٌ‏.‏ حَدّثَنَا عَبْدَةُ بنُ سُلَيمَانَ، عَنْ مُحَمّدِ بنِ عَمْرو، عَنْ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَابنِ عُمَرَ وَابنِ مَسْعُودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ وَقَدْ فَسّرَ بَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا‏:‏ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، أنْ يَقولَ‏:‏ أَبِيعُكَ هَذَا الثَوبَ بِنَقْدٍ بِعَشْرَة، وَبِنَسِيئَة بِعِشْرِينَ، وَلا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيعَيْنِ، فإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَت الْعُقْدَةُ عَلَى أحد مِنْهُمَا‏.‏ قَالَ الشّافعِيّ‏:‏ وَمِنْ مَعْنَى مَا نَهْى النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، أنْ يَقُولَ‏:‏ أَبِيعُكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا‏.‏ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلاَمَكَ بكَذَا فَإذَا وَجَبَ لي غُلاَمُكَ وَجَبَ لَكَ دَاري‏.‏ وهذا يفَارق عَنْ بَيْعٍ بِغَيْرِ ثَمنٍ مَعْلُومٍ، وَلاَ يَدْرِي كلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ما وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة‏)‏ أي صفقة واحدة وعقد واحد ويأتي تفسير هذا عن المصنف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وابن مسعود‏)‏ قال الحافظ في التلخيص حديث ابن مسعود رواه أحمد من طريق عبد الرحمن ابنه عنه بلفظ‏:‏ نهى عن صفقتين في صفقة‏.‏ وحديث ابن عمر رواه ابن عبد البر مثله وحديث ابن عمرو رواه الدارقطني في أثناء حديث انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان ولأبي داود‏:‏ من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا انتهى‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ وأخرجه أيضاً الشافعي ومالك في بلاغاته‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد فسر بعض أهل العلم قالوا‏:‏ بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين‏)‏ قال في شرح السنة بعد ذكر هذا التفسير‏:‏ هو فاسد عند أكثر أهل العلم لأنه لا يدري أيهما جعل الثمن انتهى‏.‏ وقال في النيل‏:‏ والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين انتهى‏.‏ ‏(‏فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على واحد منهما‏)‏ بأن قال البائع‏:‏ أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسبئة بعشرين‏.‏ فقال المشتري‏:‏ اشتريته بنقد بعشرة ثم نقد عشرة دراهم، فقد صح هذا البيع‏.‏ وكذلك إذا قال المشتري اشتريته بنسيئة بعشرين، وفارق البائع على هذا صح البيع لأنه لم يفارقه على إيهام وعدم استقرار الثمن، بل فارقه على واحد معين منهما‏:‏ وهذا التفسير قد رواه الإمام أحمد في روايته عن سِمَاك، ففي المنتقى عن سِمَاك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة‏.‏ قال سِمَاك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذا، وهو بنقد بكذا وكذا، قال الشوكاني في النيل قوله‏:‏ من باع بيعتين في بيعة فسره سِمَاك بما رواه المصنف يعني صاحب المنتقى عن أحمد عنه، وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بأن يقول بعتك بألف نقداً أو ألفين إلى سنة، فخذ أيهما شئت أنت، وشئت أنا‏.‏ ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قبل على الإبهام، أما لو قال قبلت بألف نقد أو بألفين بالنسيئة صح ذلك انتهى‏.‏ وقد فسره الشافعي بتفسر آخر وهو ما ذكره الترمذي بقوله‏:‏ ‏(‏قال الشافعي‏:‏ ومن معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعتين أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا‏.‏ فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري، وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته‏)‏ قال في المرقاة بعد ذكر هذا التفسير‏:‏ هذا أيضاً فاسد لأنه بيع وشرط، ولأنه يؤدي إلى جهالة الثمن لأن الوفاء ببيع الجارية لا يجب‏.‏ وقد جعله من الثمن وليس له قيمة فهو شرط لا يلزم، وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما بقي من المبيع في مقابلة الثاني مجهولاً انتهى‏.‏ وقال في النيل والعلة في تحريم هذه الصورة التعليق بالشرط المستقبل انتهى‏.‏ واعلم أنه قد فسر البيعتان في بيعة بتفسير آخر وهو أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه والحنطة بعني القفير الذي لك على إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة، لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول‏.‏ كذا في شرح السنن لابن رسلان فقد فسر حديث أبي هريرة المذكور بلفظ‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة‏.‏ بثلاثة تفاسير فاحفظها، ثم اعلم أن لحديث أبي هريرة هذا رواية أخرى رواها أبو داود في سننه بلفظ‏:‏ من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد‏.‏ قال المنذري‏:‏ والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة‏.‏ انتهى ما في النيل‏.‏ قلت‏:‏ وقد تفرد هو بهذا اللفظ وقد روى هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم من طرق ليس في واحد منها هذا اللفظ‏.‏ فالظاهر أن هذه الرواية بهذا اللفظ ليست صالحة للاحتجاج والله تعالى أعلم‏.‏

قال الشوكاني في شرح هذه الرواية ما لفظه‏:‏ قوله فله أوكسهما أي أنقصهما‏.‏ قال الخطابي‏:‏ لا أعلم أحداً قال بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث‏:‏ لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به‏.‏ ومعنى قوله أو الربا يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر‏.‏ قال وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان‏.‏ وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سِمَاك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال‏:‏ يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء‏.‏ وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين علي بن الحسين، والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى‏.‏

وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي، والمؤيد بالله والجمهور‏:‏ إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه، وهو الظاهر لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة يعني التي رواها أبو داود‏.‏ وقد ذكرنا لفظها آنفاً وقد عرفت ما في راويها من المقال‏.‏ ومع ذلك المشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة، ولا حجة فيه على المطلوب‏.‏ ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع- كما سلف عن ابن رسلان قادحاً في الاستدلال بها على المتنازع فيه، على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على الصورة، وهي أن يقول نقداً بكذا ونسيئة بكذا، لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط، وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة، ولا يدل الحديث على ذلك‏.‏ فالدليل أخص من الدعوى‏.‏ قال‏:‏ وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل‏.‏ وحققناها تحقيقاً لم نسبق إليه انتهى كلام الشوكاني‏.‏

838- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ ما لَيْسَ عِنْدَك

1229- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حدّثنا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُف بنِ ماهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بن حِزَامٍ، قالَ‏:‏ أتيتت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فَقلت‏:‏ يَأْتِينِي الرّجُلُ يَسألُني مِنَ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عنْدِي، أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السّوقِ ثُمّ أبِيعُهُ‏؟‏ قال ‏"‏لاَ تَبعْ ما لَيْسَ عِنْدَكَ‏"‏قال وفي الباب عن عبدالله بن عمر‏.‏‏.‏

1230- حدثنا قُتَيْبَةُ‏.‏ حَدّثَنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أَيّوبَ، عَن يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عَن حَكِيمِ بن حِزَامٍ قالَ ‏"‏نَهانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أبِيعَ ما ليْس عِنْدِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وهذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قالَ إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ‏:‏ قُلْتُ لأحْمَدَ‏:‏ ما مَعْنَى نَهَى عنْ سَلفٍ وَبَيْعٍ‏؟‏ قالَ‏:‏ أَنْ يَكُونَ يُقرِضُهُ قَرْضا ثُمّ يُبايِعُهُ عليه بَيْعاً يَزْدَادُ عَلَيْهِ‏.‏ ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ يُسْلِفُ إلَيْهِ فِي شَيءٍ فَيَقُولُ‏:‏ إنْ لَمْ يَتَهَيّأْ عِنْدَكَ فهُوَ بَيْعٌ عَلَيْكَ‏.‏ قالَ إسْحَاقُ ‏(‏يعني ابن راهويه‏)‏ كمَا قالَ قُلْتُ لأحمدَ‏:‏ وعَنْ بَيْعِ ما لَمْ تَضْمَنْ‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ يَكُونُ عِنْدِي إلاّ فِي الطّعام ما لَمْ تَقْبِضْ‏.‏ قالَ إِسْحَاقُ‏:‏ كمَا قالَ، فِي كُلّ ما يُكَالُ أوْ يُوزَنُ‏.‏ قالَ أَحْمَدُ‏:‏ إذَا قالَ أبِيعُكَ هَذَا الثّوْبَ وَعَلَيّ خِياطَتُهُ وقَصَارَتُهُ‏.‏ فَهذَا مِنْ نَحْوِ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ‏.‏ وإذَا قالَ‏:‏ أَبِيعُكَهُ، وعَلَيّ خِياطَتُهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏ و قالَ أبِيعُكَهُ وعَلَيّ قَصَارَتُهُ فَلاَ بَأْسَ بهِ‏.‏ إنمَا هو شَرْطٌ وَاحِدٌ‏.‏ قالَ إسْحَاقُ‏:‏ كمَا قالَ‏.‏

1231- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ‏.‏ حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ‏.‏ حدّثنَا أَيّوبُ‏.‏ حدّثَنا عَمْروُ بنُ شُعَيْبٍ قالَ‏:‏ حدّثَنِي أَبِي، عنْ أبِيهِ، حتّى ذَكَرَ عَبْدَ الله بنَ عَمْروٍ، أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يَحلّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ‏.‏ ولاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ‏.‏ ولاَ رِبْحُ مَا لمْ يُضْمَنُ‏.‏ ولاَ بَيْعُ ما لَيْسَ عِنْدَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قال أبو عيسى حدِيثُ حَكِيمِ بنِ حِزامٍ حدِيثٌ حسنٌ‏.‏ قَدْ رُوِيَ عنه مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏ رَوَىَ أيّوبُ السّخْتِيَانِيّ وأبُو بِشْر عن يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عنْ حَكِيمِ بن حِزامٍ‏.‏

قال أبو عيسى وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَوْفٌ وهِشَامُ بنُ حُسّانَ، عنِ ابنِ سِيرِينَ عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذا حديثٌ مُرْسَلٌ‏.‏ إنمَا رَوَاهُ ابنُ سِيرِينَ عنْ أَيّوبَ السّخْتِيَانِيّ‏.‏ عنْ يُوسُفَ بنِ مَاهَكَ، عن حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ‏.‏

1232- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِي الخَلاّلُ و عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الله الخزاعي البصري أبو سهل وغَيْرُ وَاحِدٍ، قالُوا‏:‏ حدّثنَا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عنْ يَزِيدَ بنِ إبْرَاهِيمَ، عن ابنِ سيرِينَ، عنْ أيُوبَ، عنْ يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عنْ حَكِيمِ بن حزام قَالَ‏:‏ نَهانِي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أبِيعَ ما لَيْسَ عِنْدِي‏.‏

قال أبو عيسى وَرَوَى وكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ يَزِيدَ بنِ إبْرَاهيمَ عنِ ابنِ سِيرينَ، عنْ أَيّوبَ، عنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ‏.‏ ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ‏(‏عنْ يُوسُفَ بنِ مَاهَكَ‏)‏‏.‏

وَرِوَايَةُ عَبْدِ الصّمَدِ أصَحّ‏.‏

وقَدْ رَوَى يَحْيَى بنُ أبي كَثير هَذَا الْحَدِيثَ عنْ يَعْلَى بن حَكِيمٍ، عن يُوسُفَ بنِ ماهَكَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عِصْمَةَ، عنْ حَكِيمِ بنِ حِزامٍ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا الحديث عِنْدَ أكْثَرِ أَهلِ الْعِلْمِ‏.‏ كَرِهُوا أنْ يَبِيعَ الرّجُلُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبتاع له من السوق‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام أي أأشتري له من السوق‏؟‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ أفأبتاع له من السوق‏؟‏ ‏(‏ثم أبيعه‏)‏ لم يقع هذا اللفظ في رواية أبي داود ولا في رواية النسائي ولا في رواية ابن ماجه‏.‏ والظاهر أنه ليس على معناه الحقيقي، بل المراد منه التسليم‏.‏ ومقصود السائل أنه هل يبيع ما ليس عنده ثم يشتريه من السوق ثم يسلمه للمشتري الذي اشترى له منه ‏(‏قال لا تبع ما ليس عندك‏)‏ أي شيئاً ليس في ملكك حال العقد‏.‏ في شرح السنة هذا في بيوع الأعيان دون بيوع الصفات فلذا قيل السلم في شيء موصوف عام الوجود عند المحل المشروط يجوز، وإن لم يكن في ملكة حال العقد‏.‏ وفي معنى ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الاَبق، وبيع المبيع قبل القبض وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه لأنه لا يدري هل يجيز مالكه أم لا، وبه قال الشافعي رحمه الله‏.‏ وقال جماعة‏:‏ يكون العقد موقوفاً على إجازة المالك‏.‏ وهو قول مالك وأصحاب وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبيع ما ليس عندي‏)‏ فيه وفي قوله‏:‏ لا تبع ما لبس عندك‏.‏ دليل على تحريم بيع ما ليس في ملك الإنسان ولا داخلاً تحت مقدرته‏.‏ وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ وأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل سلف‏)‏ بفتحتين ‏(‏وبيع‏)‏ أي معه يعني مع السلف بأن يكون أحدهما مشروطاً في الاَخر قال القاضي رحمه الله‏:‏ السلف يطلق على السلم والقرض والمراد به هنا شرط القارض على حذف المضاف أي لا يحل بيع مع شرط سلف بأن يقول مثلاً‏:‏ بعتك هذا الثوب بعشرة على أن تقرضني عشرة، نفي الحل اللازم للصحة، ليدل على الفساد من طريق الملازمة‏.‏ وقيل هو أن يقرضه قرضاً ويبيع منه شيئاً بأكثر من قيمته فإنه حرام لأن قرضه روج متاعة بهذا الثمن، وكل قرض جر نفعاً فهو حرام‏.‏ ‏(‏ولا شرطان في بيع‏)‏ فسر بالمعنى الذي ذكره الترمذي أولاً للبيعتين في بيعة‏.‏ ويأتي تفسير آخر عن الإمام أحمد ‏(‏ولا ربح ما لم يضمن‏)‏ يريد به الربح الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه، وينتقل من ضمان البائع إلى ضمانه، فإن بيعه فاسد‏.‏ وفي شرح السنة قيل‏:‏ معناه أن الريح في كل شيء إنما يحل أن لو كان الخسران عليه فإن لم يكن الخسران عليه كالبيع قبل القبض إذا تلف، فإن ضمانه على البائع‏.‏ ولا يحل للمشتري أن يسترد منافعه التي انتفع بها البائع قبل القبض، لأن المبيع لم يدخل بالقبض في ضمان المشتري، فلا يحل له ربح المبيع قبل القبض‏.‏ ‏(‏ولا بيع ما ليس عندك‏)‏ تقدم معناه قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة قال المنذري بعد نقل تصحيح الترمذي‏:‏ ويشبه أن يكون صحيحاً لتصريحه بذكر عبد الله بن عمرو ويكون مذهبه في الامتناع بحديث عمرو بن شعيب إنما هو الشك في إسناده لجواز أن يكون الضمير عائداً على محمد بن عبد الله بن عمرو فإذا صح بذكر عبد الله بن عمرو انتفي ذلك انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال إسحاق بن منصور‏)‏ بن بهرام الكرسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة روى عنه الجماعة سوى أبي داود وتتلمذ لأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وله عنهم مسائل كذا في التقريب وتهذيب التهذيب‏.‏ ‏(‏ثم يبايعه بيعاً يزداد عليه‏)‏ يعني يبيع منه شيئاً بأكثر من قيمته ‏(‏ويحتمل أن يكون يسلف‏)‏ أي يقرض ‏(‏إليه في شيء‏)‏ يعني قرضه دراهم أو دنانير وأخذ منه شيئاً ‏(‏فيقول إن لم يتهيأ عندك‏)‏ أي لم يتهيأ ولم يتيسر لك رد الدراهم أو الدنانير ‏(‏فهو بيع عليك‏)‏ يعني فذلك الشيء الذي أخذت منك يكون مبيعاً منك بعوض تلك الدراهم أو الدنانير ‏(‏قال إسحاق كما قال‏)‏ المراد من إسحاق هذا إسحاق بن راهويه، والضمير في قال راجع إلى أحمد بن حنبل أي قال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد بن حنبل في بيان معنى نهى عن سلف وبيع ‏(‏قلت لأحمد وعن بيع ما لم تضمن‏)‏ أي سألته عن معنى بيع ما لم يضمن ‏(‏قال‏)‏ أي أحمد بن حنبل ‏(‏لا يكون عندي إلا في الطعام‏)‏ أي النهي عن بيع ما لم تضمن ليس على عمومه بل هو مخصوص بالطعام ‏(‏يعني لم تقبض‏)‏ هذا تفسير لقوله لم تضمن ‏(‏قال إسحاق‏)‏ هو ابن راهوية ‏(‏كما قال‏)‏ أي أحمد قوله‏:‏ ‏(‏فهذا من نحو شرطين في بيع‏)‏، أي فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ولا شرطان في بيع‏"‏ ‏(‏وإذا قال أبيعكه وعليّ خياطته فلا بأس به أو قال أبيعكه وعلى قصارته فلا بأس به إنما هذا الشرط واحد‏)‏ أي فيجوز لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ولا شرطان في بيع‏"‏‏.‏ وكلام الترمذي هذا يدل على أن البيع بشرطين لا يجوز عند أحمد، والبيع بشرط يجوز عنده‏.‏ قال في مجمع البحار‏:‏ لا فرق عند الأكثر في البيع بشرط أو شرطين‏.‏ وفرق أحمد بظاهر هذا الحديث انتهى‏.‏ قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات‏:‏ التقييد بشرطين وقع اتفاقاً وعادة وبالشرط الواحد أيضاً لا يجوز لأنه قد ورد النهي عن بيع وشرط انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال‏:‏ إن شرط في البيع شرطاً واحداً صح، وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح‏.‏ ومذهب الأكثر، عدم الفرق بين الشرط والشرطين‏.‏ واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان انتهى‏.‏ قلت‏:‏ حديث النهي عن بيع وشرط أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من طريق عبد الوارث بن سعيد عن أبي حنيفة، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وشرط، أورده في قصة‏.‏ كذا في الدراية للحافظ ابن حجر‏.‏ وقال الحافظ الزيلعي بعد ذكره بالقصة‏:‏ قال ابن القطان وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث انتهى‏.‏ ‏(‏قال إسحاق كما قال‏)‏ أي كما قال أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث حكيم بن حزام حديث حسن‏)‏ الظاهر أنه تكرار قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام الخ‏)‏، قال الحافظ في التلخيص‏:‏ وزعم عبد الحق أن عبد الله بن عصمة ضعيف جداً ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه قال هو مجهول وهو جرح مردود فقد روى عند ثلاثة، واحتج به النسائي انتهى‏.‏ وقال فيه‏:‏ وصرح همام عن يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم حدثه أن يوسف حدثه أن حكيم بن حزام حدثه انتهى‏.‏

839- باب ما جَاءَ فِي كَراهِيةِ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِه

‏(‏باب ما جاء في كراهية بيع الولاء وهبته‏)‏ الولاء بالفتح والمد حق ميراث المعتق من المعتق بالفتح

1233- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ‏.‏ حدّثنَا عَبْدُ الرّحْمنِ بنُ مَهْدِي قال‏:‏ حدّثنَا سُفْيَانُ و شُعْبَةُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ ‏"‏أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ حدِيثِ عَبْد الله بنِ دِينارٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هذا الْحَدِيثِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى يَحْيى بنُ سُلَيمٍ هَذَا الْحَدِيِثَ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمرَ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أَنّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ‏.‏ وهُوَ وَهْمٌ‏:‏ وَهِمَ فيهِ يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ رَوَى عَبْدُ الْوَهّابِ الثَقَفِيّ وعَبْدُ الله بنُ نُميْرٍ وغَيرُ وَاحِدٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمرَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عنِ ابنِ عُمرَ، عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهَذَا أصَحّ مِنْ حدِيث يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن بيع الولاء‏)‏ بفتح الواو والمد‏.‏ قال في النهاية‏:‏ يعني ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه كانت العرب تبيعه وتهبه فنهى عنه لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ في الحديث تحريم بيع الولاء وهبته وإنهما لا يصحان، وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه بل هو لحمة كلحمة النسب‏.‏ وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف‏.‏ وأجاز بعض السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهو وهم‏)‏ أي ذكر نافع بين عبيد الله بن عمر وابن عمر ‏(‏وهم فيه يحيى بن سليم‏)‏ فإنه قد خالف غير واحد من الثقات الحفاظ فإنهم يذكرون بينهما عبد الله بن دينار‏.‏ ويحيى بن سليم هذا هو الطائفي نزيل مكة صدوق سيء الحفظ‏.‏ قاله الحافظ في التقريب‏.‏ وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي إلا في عبيد الله بن عمر‏.‏ وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ ولا يحتج به‏.‏ قال الخزرجي‏:‏ احتج به ع وله في خ فرد حديث انتهى‏.‏